للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من غير العاصمة. وحمل النقد الكافي لذلك.

ومضت الإجازة كأن لم تكن. وعاد صاحبنا إلى مقر عمله.

والتقى بمن كلفه مهمة البلدة فابتدره بقوله: (أنا آسف جد الآسف، لأني قد مضيت الإجازة كلها في القاهرة!)

فلما التقى بالآخر كان لزاماً عليه أن يعتذر عن تقصيره، فقال: (أرجو المعذرة إذ قد مضيت إجازتي كلها في البلدة، إذ وردتني رسالة برقية في آخر لحظة تستدعيني إليها على عجل لأمر عائلي).

وكان يلذ لي شخصياً اصطناعه لهذه الأحاديث (أحياناً) فأكون في نظره الصديق الذي ما بعده صديق! وأكون أقرب شخص إلى قلبه، وأقرب فكر إلى فكره، ويكون منطقي طبق الأصل من منطقه! (كذا)

وأنا حين أكون هذا الشخص أجري على حكمة أوليفر جولد سميث (لقد سئمت أن أكون رجلاً عاقلاً)

ولكني كنت أضيق بصاحبي ذرعاً، حين كانت نزعة الحقيقة والعقل تغلب عندي على كل خيال حلو تنتجه قريحة صاحبي، فأقف منه فجأة موقفاً يصفه هو بالعداء، وأصفه أنا بتحري الحقيقة والتزامها ليس غير.

فإذا بلغت الحال بنا هذا الحد من التحرج، بحثت لصديقي عن هنة من هناته التي تمتُّ إلى الكذب الصريح بصلة قريبة.

وحضرني في آخر موقف أن أعنفه على إهماله إرسال بطاقة (المعايدة) التي اعتاد الناس تبادلها في العيد، فابتدرني بهذا السؤال:

- أليس عنوان بيتكم رقم ١٩ شارع. . . . .؟

- قلت نعم (متخابثاً)

- قال لقد أرسلت لك المعايدة على هذا العنوان.

- قلت وما رأيك إذا كان رقم منزلنا ١٦ لا ١٩؟

- فسكت صاحبي سكوتاً أشفقت عليه منه، ومع ذلك لم يمنعني إشفاقي عليه من أن أذكره بفلسفته الخالدة: (إني ألفت الكذب ينجي من المآزق)!!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>