للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مخيلتي ذلك العهد الذهبي)

ولجون لوجان من شعراء القرن الماضي مقطوعة عذبة في مناجاة الطائر عينه، قد وقع فيها على بعض معاني وردزورث وتعبيراته، وإن لم يقل عنه جمالا وابتكار، قال: (مرحبا يا غريب الأراكة الجميل، يا رسول الربيع، هاهي ذي السماء تعد لك مقعدك من الريف، ويردد الغاب صدى الترحيب بك؛ إذا ما رقش الأقحوان العشب أيقنا أن سنسمع صوتك من جديد، فهل لك نجم يهديك السبيل أو يوقت لك دورة العام؟ أيها الزائر المطرب، إني معك أرحب بأوان الأزهار وأسمع الموسيقى العذبة التي ترددها الأطيار في حواشي الخمائل؛ ويسمع صبي المكتب صوتك المنبئ بالربيع الجديد، وهو يطوف في الغاب يقطف آخر زهيرات الشتاء، فيتوقف منصتا ويقلد تغريدك؛ أيها الطائر المطرب: إن خميلك خضراء أبدا، وسماءك أبدا صافية، وليس في أغاريدك شجن ولا في عامك شتاء، فيا ليتني أستطيع الطيران فأحف معك على جناح الحبور، نطوف طوفتنا السنوية حول الأرض، رفيقي ربيع مستمر)

بأمثال هذه الأوصاف الطبيعية الشائقة، والمناجاة الحارة الصادقة يحفل الشعر الإنجليزي، ومثل هذا الولع بالطيور والشغف بمناجاتها ووقف القصائد والمقطوعات على الترنيم بحبها غير شائع في الأدب العربي؛ فالشعر العربي أحفل بذكر الحيوان ولا سيما الضروب سالفة الذكر، والشعر الإنجليزي قليل الاحتفال بها عظيم الحفاوة بالطير؛ ولا غرو: فقد كان العرب رجال مجتمع مقبلين على أسبابه ووسائله، يحمدون الإبل التي هي قوام حياتهم والخيل التي هي عمادهم في معركة الحياة، ويتمدحون بالبأس والشجاعة فيذكرون قتال الأسود وجندلة الذئاب، وفيما عدا ذلك لم يكن لهم كبير التفات إلى الطبيعة، ولا شديد عطف على أبنائها، وأشعارهم في هذا الباب لا تنم عن حب للحيوان أو شغف بحياته؛ وكان حب الطبيعة والهيام بجمالها من أكبر مميزات الأدب الإنجليزي، والطيور أكثر تمثيلا لجمالها وحبورها من الأسود والذئاب، فكثر في الأدب الإنجليزي وصف الطيور كما كثر وصف الأزهار والآجام والأنهار؛ وفي شغف الأدب الإنجليزي بهذه واحتفاء الأدب العربي بتلك رمز وبيان للصبغة الاجتماعية التي ترين على الأدب العربي، والنزعة الطبيعية التي تتجلى في الأدب الإنجليزي

<<  <  ج:
ص:  >  >>