إنما يحفل الأدب الإنجليزي بذكر الطيور الجميلة المغردة، ووصفها ومناجاتها، ووصف أغاريدها والاسترسال معها إلى آماد الخيال البعيدة والطيران معها على أجنحة الشعر؛ فالأدب الإنجليزي غني بالشعر الطبيعي الذي قصد به الوصف الطبيعي وحده، وهذا الوصف حافل بوصف الأطيار، والأدب الإنجليزي غني أيضا الوصف الطبيعي لم يقصد لذاته، وإنما يتخلل شتى أغراض القول؛ وهذا مملوه بذكر الطير أيضاً، والشعر الإنجليزي غني فوق ذلك بالقصائد التي كتبت خاصة في مناجاة الطيور وعبادة أصواتها المطربة، ولم يخل الأدب العربي من شيء من ذلك، ومن محاسن ما فيه منه وصف الصابيء للبغاء، وهو من غرر الشعر العربي ومنه يقول:
عدت من الأطيار، واللسان ... يوهمني بأنها إنسان
تنظر من عينين كالغصين ... في النور والظلمة بصاصين
تميس في حلتها الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء
بيد أن الشعر الإنجليزي أغزر وأحفل بتلك الآثار. ولكل من وردزورث وكيتس وشلي وتنيسون وسوينبرن قصائد في ذلك بالغة غاية السمو العاطفي والكمال الفني؛ ولم يكتف الشعراء بمناجاة أطيار جزيرتهم الغريدة الكثيرة، فلجأوا على عادتهم إلى الخرافة، وتصور كولردج طائراً عجيبا سماه الألباتروس جلب اليمن والبركة لأصحاب الملاح القديم، ثم جزاه هذا الأخير جزاء سنمار فقتله، فكان ذلك سبب ضلاله وهلاك أصحابه
ومن غرر تلك الأشعار في الإنجليزية قول وردزورث: (أيها القادم السعيد، هاأنذا أسمعك فأطرب، أأسميك طائر أم صوتا ملحقا؟ أنا أسمع هتافاتك المرددة وأنا مضطجع على العشب، ويخيل إليّ أنها تمر من ربوة إلى ربوة، قريبة بعيدة في آن واحد: ترسل أغاريدك في الوادي المكسو بالأزهار وضياء الشمس، فتثير في نفسي رؤى بعيدة، مرحبا بك يا رسول الربيع! يا من كنت إليه استمع إذ أنا صبي بالمكتب. وطال ما جعلني هتافك هذا أتلفت في كل ناحية بحثاً في الشجيرات والأدواح والسماء، وطالما ضربت في الغابات والأعشاب في نشدانك، وضللت أنت دائماً أملا أو حبا يطول التشوق إليه ولا يرى أبداً، وما أزال أستطيع الاستماع إليك والانبطاح في السهل مصيخا إليك، حتى استعيد في