وافتقادها إياه وجزعها وتلددها لهلاكه، في أبيات كثيرة يبدءونها بقولهم:(وما ظبية. . .) أو نحو ذلك، ويعقبون عليها بقولهم:(بأوجع مني يوم بانوا. . .) أو ما إليه؛ كما كان من التقاليد المتعبة في أشعار النسيب والوجد مناجاة الحمائم وسؤالها عما يشجيها، ومقابلة شجوها بشجو الشاعر، ووصف تهييجها لذكرياته تجديدها لآلامه ومن محاسن ما قيل في الحمائم قول أعرابي:
وقبلي أبكي كل من كان ذا هوى ... هتوف البواكي والديار البلاقع
وهن على الأطلال من كل جانب ... نوائح ما تخضل منها المدامع
ترى طرراً بين الخوافي كأنها ... حواشي برد زينتها الوشائع
ومن قطع الياقوت صيغت عيونها ... خواضب بالحناء منها الأصابع
أما أشد شعراء العربية شغلا بأمر الأحياء وتأملا في أحوالها وذكراً لها في شعره فهو المعري الذي بلغ من نفاذ البصر في شؤون الحيوان وشدة الرحمة له حينا، والإنكار للؤم طباعه حينا، وطوال التأمل فيها تأملا موضوعياً لا ذاتيا، ما لم يبلغه غيره من شعراء العربية فهو تارة ينعى على الضرغام مغادرته غابه لينازع ظبي رمل في كناس، وتارة يسمح للذئب بالشاة علماً بما بالذئب من داء السغب، وتارة يبكي للحمامة البريئة يعاجلها الصقر عن نقرها وهديلها، وطوراً يرميها بمماثلة غيرها من الحيوان في الجور والعدوان، وهو ينهى عن فجيعة النحل في شهدها أو الناقة في فصيلها في حائيته الرصينة من لزوم ما لا يلزم
لا يكاد يوجد في الأدب الإنجليزي شيء من ذكر تلك الأنواع من الحيوان سالفة الذكر، التي احتفى بها أدباء العربية أي احتفاء، وحفل بذكرها الشعر العربي في شتى عصوره، فلا الجمل ولا الحصان ولا الأسد والذئب، ولا الحمائم والظباء، تمثل ذلك المكان الظاهر من موضوعات الأدب وتشبيهاته وكناياته وأمثاله؛ وذلك لاختلاف البيئة الإقليمية والاجتماعية، فتلك ضروب من الحيوان لا تكثر في إنجلترا كثرتها في بلاد العرب، بل لا يوجد بعضها أصلا، والإنجليز كانوا جوابي بحار لا رحالي صحار، ومقاتلة على الماء أكثر منهم على البر، فلا غرو ألا يمروا بتلك الأنواع إلا عرضا، وأن يمتلئ أدبهم بوصف