الذئب فتكشر ضاحكا، ولكن الفررزدق حين رأى نيوب الذئب بارزة لم يظن أن الذئب يبتسم، بل جعل قائم سيفه في يده بمكان؛ وتاه على الذئب بما أنا له من قرى بدل أن يرشقه بشباة سنان؛ أما البحتري فلم يكن بهذا المكان من الجود، بل كان يحدث نفسه بصاحبه الذئب، كما كان الذئب يحدث نفسه بصاحبه البحتري، فرمى الإنسان الوحش فأصماه، ونال من لحمه قليلا؛ كذلك يصف المتنبي في أبيات هي غرر الشعر العربي ملاقاة بعض ممدوحيه للأسد، وتعفيره إياه بالسوط؛ وهناك كذلك وصف للبديع في بعض مقاماته لمثل هذا اللقاء الرائع بين فارس مقدام وبين ملك الحيوان، ومنه قوله على لسان الفارس:
وقلت له: يعز علي أني ... قتلت مناسبي جلدا وقسرا
ولكن رمت شيئا لم يرمه ... سواك، فلم أطق يا لليث صبرا
تحاول أن تعلمني فرارا، ... لعمر أبيك قد حاولت نكرا
ولما تحضر العرب وانتشر في عليتهم الترف، تأنقوا في اتخاذ الحيوان للزينة والمتعة، وكان الخروج للقنص من وسائل لهوهم وترويحهم عن النفس، وكثر في الشعر وصف تلك الأفيال التي كان الخلفاء الفاطميون يسيرونها في مواكبهم، والمها التي كانوا وكان غيرهم يزينون بها حظائرهم وقصورهم، ووصف الخروج للقنص وكلاب الصيد، وقد وصف أبو نواس في أبيات مشهورة كأساً له قد صورت عليها مها تدريها بالقسي الفوارس، ووصف المتنبي لبؤة مقتولة وأشبالها حولها جاثمة، وكان قد هيئ ذلك المنظر في حفل استقبل فيه سيف الدولة سفراء قيصر، ولأبن الرومي عينية بارعة في وصف يوم طرد تمتع به في رفقة له، ومن نوادر أبي دلامة أنه خرج مع الخليفة الهدي وعلي بن سليمان للصيد، فأخطأ علي الرمية وأصاب أحد كلاب الصيد فقال أبو دلامة:
قد رمى الهدي ظبياً ... شك بالسهم فؤاده
وعلي بن سليمان ... ن رمى كلباً فصاده
فهنيئاً لهما: كل ... امرئ يأكل زاده
وكان من عادة أدباء العربية أن يمثلوا لأحوالهم بأحوال الحيوان، ويستعيروا صفاته لما هم بسبيل وصفه، فيمثلون لحنينهم بحنين الإبل إلى أعطافها، ولوجدهم بوجد الظبية على خشفها قد صرعته نبال الصائد، أو مزقته براثن السبع الضاري، يصفون مصرع طفلها