وهنا يبتعد ابن سينا عن أرسطو بعدا واضحا؛ فإن من المبادئ المسلمة لدى الأخير أن ليس ثمة وجود مستقل للصورة بمعزل عن مادتها.
وليس القول بجوهرية النفس من الآراء التي أبتكرها ابن سينا؛ فقد سبقه إلى هذا أفلاطون وتوسع فيه رجال مدرسة الإسكندرية. غير أن هناك فارقاً بينه بينهم، فبينما هؤلاء يعدون النفس جوهر لا غير يقرر هو أنها جوهر وصورة للجسم في آن واحد، وفي هذا من التعارض ما فيه وإن كان يفسره بأنه جوهر في ذاتها وصورة من ناحية صلتها بالجسم. والسر في هذا التعارض الذي وقع فيه الفارابي من قبل أن الفيلسوفين العربيين متأثران بمصدرين مختلفين؛ فقد أخذ فكرة الصورة عن أرسطو كما أخذ فكرة الجوهر عن أفلاطون؛ ولم يريا أية غضاضة في أن يطلقا هاتين على النفس، خصوصاً وقد ذلل لهما أرسطو ذلك؛ فانه لم يستعمل كلمة (جوهر) في معنى محدود فيطلقها على المادة تارة الصورة أخرى وعليهما معا مرة ثالثة. ومن الغريب أن صاحب كتاب الربوبية الحزاني يفسر عبارة أرسطو المشهورة:(النفس صورة الجسم) تفسيرا يشبه كل الشبه ما جاء به فلاسفة الإسلام؛ ولعل هؤلاء تأثروا به وخلطوا على نحو ما صنع الأرسطية والأفلاطونية ولكنه لا يفوتنا أن نلاحظ أن ابن سينا كلما بعد عن جو الآراء الأرسطية وخلص إلى نفسه عد الروح جوهرا فحسب ولم يشر قط إلى صورتها. فإذا كان يعرفها في الشفاء والنجاة الذين يحاكي فيهما جماعة المشاثين أنها كمال وصورة للجسم فإنه لا يتحدث عنها في كتاب الإشارات الذي يبدو فيه استقلاله وشخصيته إلا باسم الجوهر الروحي القائم بذاته. وفي هذا ما يبين لنا كيف غلبت أفلاطونيته على انتسابه لأرسطو في هذا الموقف.