الجملة:(النفس صورة الجسم). تعبير رائع أخاذ من غير شك، لكنه لا يقدم كثيراً في تفهم حقيقة النفس وتحديد ماهيتها. وكم عودنا أرسطو هذه التعبيرات الحلوة التي يدمج فيها بعض المشاكل دون أن يحلها وفكرة الصورة من الأفكار الجوهرية في مذهبه إلا أنها في الوقت نفسه من أدق نقطة وأصعبها تلاؤما مع نزعة الواقعية. فان من يقول بالصورة يدنو من المالية الأفلاطونية وإن تحامل عليها. والواقع أن أرسطو لم يأل جهدا في نقد مثالية أفلاطون التي تقول إن النفس حقيقة متميزة من الجسم. ويصرح بأن ما ذهب إليه الأفلاطونيون والفيثاغوريون من أن النفس جوهر روحي أشبه بالخيال منه بالحقيقة؛ ولا يستطيع أن يتصور أن نفسا ما تأتي من الخارج وتحل في جسم ما. وكيف نقبل هذا ومؤداه أن النفس تدخل الجسم كما يوضع مظروف في ظرف خاص؛ ومن المقرر أن المادة غير قابلة للعزل عن صورتها ومع هذا فإن أرسطو يفسر النفس تفسيرا أدخل في باب المثالية من فرض أستاذه؛ فإنه يعتبرها صورة، وليست الصورة شيئا أو مادة بأي شكل من الأشكال. تناقض واضح ومنتظر من كل فيلسوف واقعي لا يزال يحتفظ بقدر من المثالية.
وكأن ابن سينا قد أدرك ما في التعريف السابق من نقص بدليل ما لاحظه من أنه لا يفسر النفس من حيث هي وإنما يعرفها من ناحية صلتها بالجسم فقط. لهذا أخذ على عاتقه أن يتلافى هذا النقص وأن يوضح ذات النفس مميزا إياها بخاصتين رئيسيتين هما الجوهرية والروحية. وفي حديثه عن هاتين الخاصتين يعرب لنا عن جدلي ماهر ومحلل دقيق وباحث عميق. ونحن نعلم أن الجوهر والعرض متقابلان بل ومتناقضان وإن كان تناقضهما غير صحيح، فأن كل ما ليس بجوهر عرض. فإذا استطعنا أن نثبت أن النفس ليست واحدا من الأعراض لزم من هذا أنها جوهر قائم بذاته. ولعل أول شيء ينفي عنها العرضية هو أنها مستقلة كل الاستقلال عن الجسم؛ وهذا الأخير محتاج إليها تماما الاحتياج في حين أنها لا تحتاج إليه في شيء. ولن يتعين جسم ما ويتحدد إلا إذا اتصلت به نفس معينة. وعلى عكس هذا النفس هي هي سواء اتصلت بالجسم أم لم تتصل به. ولا يمكن أن يوجد جسم بدون النفس مع أن هذه تستطيع أن تعيش بمعزل عنه؛ وما دامت هي مصدر حياته وحركته فلا وجود له بدونها. ولا أدل على هذا من أنه يتغير ويصبح شبحا من الأشباح إذا ما انفصلت عنه. فالنفس إذن جوهر قائم بذاته لا عرض من أعراض الجسم.