للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقلوبهم وما احتوت عليه هذه القلوب وهذه النفوس من فناء في الله، وذكر له، واتحاد معه، بحيث أصبحت نفوسهم لا تفكر إلا فيه وقلوبهم لا تنزع إلا إليه. وبحيث انهم تجردوا عن كل شهوة، وخلصوا من كل لذة، وتحرروا من هذه القيود الجسمانية التي تفسد على الإنسان حياته الباطنية وتكدر صفاء سريرته النفسية.

وآية ذلك هي أن الصوفي دائم التصفية والتنقية لنفسه مما يشوبها من الأكدار. وهو فوق هذا دائم الحركة والاضطراب بدوام التجائه وافتقاره إلى ربه. والتجاؤه وافتقاره هما اللذان يهذبان قلبه وينقيان نفسه ويضيئان جوانب هذا النفس وهذا القلب بالمعرفة الصحيحة الصادقة التي تكشف له عن حقيقة الله وماهية الأشياء. وعلى هذا ترى انه لابد للصوفي من دوام الحركة والاضطراب بدوام الافتقار والالتجاء وحسن التفقد لمواطن إصابات النفس.

ولنترك الآن الباب الخامس بعد أن وقفنا عند أهم ما اشتمل عليه ولنعرض للباب السادس حيث يحدثنا السهروردي عن مسألة لها قيمتها العلمية وخطرها العظيم في تاريخ التصوف وفهم الأطوار التي مر بها فهماً صادقا مستقيما. وأعنى بهذه المسألة مسألة الأصل الذي صدرت عنه كلمة (صوفي) والمصدر الذي اشتقت منه ونسبت إليه، والمؤلف حين يحدثنا عن أصل كلمة صوفي يعرض علينا أهم الآراء التي رآها القدماء واختلفوا فيها اختلافاً تجاوزهم إلى المحدثين من المستشرقين وغير المستشرقين من علماء الشرق.

ولعل مؤلف عوارف المعارف أمّيل ما يكون إلى أن هذه الكلمة ليست إلا نسبة إلى الصوف. وهو يستمد في رأيه هذا إلى أن الصوف كان لباس الأنبياء فقد روي عن النبي (أنه كان يجيب دعوة العبد ويركب الحمار ويلبس الصوف. وحكي عن عيسى عليه السلام أنه كان يلبس الصوف والشعر ويأكل من الشجر ويبيت حيث أمسى. فأنت ترى أن هذا الكلام إن صح كان طبيعياً أن يختار المتصوفة لباسهم من الصوف وكان بديهياً أن تكون نسبتهم إلى ظاهر لباسهم الذي ينسج منه. وهذا الرأي ملائم لما أخذ به الصوفية أنفسهم من زهد في ملذات الدنيا بصفة عامة وميل إلى اللباس الخشن وأعراض عن اللباس الرقيق الناعم بصفة خاصة ناهيك بأنه يلائم ملاءمة تامة طبيعة الاشتقاق اللغوي. فيقال تصوف الرجل إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص. وفق هذا كله فانه نظراً لتقلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>