قسطنطينية وأخفقت بذلك آخر محاولة بذلتها الخلافة لافتتاح أمم الغرب وإخضاع النصرانية لصولة الإسلام، ولم تتح للإسلام المتحد فرصة أخرى لينفذ إلى قلب أوربا في مثل كثرته وعزمه واعتزازه يوم مسيره إلى بلاط الشهداء. ولكنه أصيب قبل وبعد بتفرق الكلمة، وبينما شغلت إسبانيا المسلمة بمنازعاتها الداخلية، إذ قامت فيما وراء البرنيه إمبراطورية فرنجية عظيمة موحدة الكلمة تهدد الإسلام في الغرب وتنازعه السيادة والنفوذ.
محمد عبد الله عنان
المستشرق برجستريسر ٥ أبريل سنة ١٨٨٦ - ١٨
أغسطس سنة ١٩٣٣
للدكتور إسرائيل ولفنسون. مدرس اللغة العبرية بكلية الآداب
وقع نظري أثناء مطالعتي في الجرائد اليومية التي وصلتني من ألمانيا على خبر لم يوضع في مكان بارز كأنه ليس من الأهمية في شيء، ورد فيه نعي جوتهلف برجستريسر أستاذ اللغات السامية بجامعة ميونيخ، سقط أثناء رحلة رياضية في جبال الألب من قمة جبل جلوكنر إلى هاوية توفى فيها على الفور، لو وقع هذا الحادث منذ سنوات قليلة لكان قد وضع في مكان أبرز، وعلى حالة تلفت القراء أكثر مما هو في جرائد هذه الأيام، لأن ألمانيا الحالية ليس فيها من يعبأ كثيراً بمن توفي من العلماء المستشرقين، ولكني روعت لهذا الخبر الذي أدمى قلبي وملأه حزناً وأسى.
كان علم الاستشراق قد قطع شوطاً بعيداً في أواخر القرن الماضي في جامعات أوربا على العموم، وفي ألمانيا خاصة حتى وصل ببحوث نولدكه وجولدسيهرويت ويستنفلد وليتش وغيرهم إلى أوج مجده ثم أخذ بعد انتهاء الحرب العظمى ينحدر من قمة الجبال إلى بطون الوهاد ويتضاءل شيئا فشيئا.
ويجب أن يلاحظ أن الحرب العالمية قد أدت إلى انحطاط العلم على العموم في أوربا، لأن التفكير الجدي والقراءة الدقيقة انقطع عنهما الشباب الذي أخذ يميل إلى البحوث السطحية وإلى اكتساب العلم عن طريق الراديو والسينما، كما انتشر في الجامعات توغل جمهرة الطلبة في الشؤون السياسية والحزبية اكثر من توغلهم في البحوث العلمية.