دون سواهما. وحافظ لم يكن خصباً كشوقي ولا متفنناً مثله. وإذا قيل إن شوقي أغار على الأقدمين فليس ينجو حافظ من التهمة. هذا عارض من سبقوه وذاك عارض من سبقوه، إلا أن أبواب الغزو لدى شوقي المطلع على الأدب العربي والغربي معاً أكثر منها لدى شاعر النيل. وهذا سر من أسرار تفوق الأول ووقوف الآخر دونه في الطريق
ومما نشاهد أن عطف الناس على حافظ أقوى منه على شوقي. فإن لحافظ في القلوب منزلة لم يبلغها شاعر الأمير، فكل من وقف على بؤس حافظ وإخفاقه في أمانيه وعزة نفسه مال إليه متأثراً وتألم لألمه. والبائس يجد حوله ذوي الرفق، على حين أن القرير العين يصطدم أبداً بالناقمين الكارهين. وهذا هو موقف الشاعرين من أبناء اللغة العربية. أحبوا حافظاً لبؤسه وخفتت في صدورهم محبة شوقي لغناه، على أنهم إذا جاءوا يفاضلون بين الشاعرين آثروا شوقي على حافظ دون ما تردد. وتلك العاطفة الروحية لابد لها أن تتلاشى على ممر الأيام، يوم يفنى هذا الجيل ويبيت أبناء الغد حيال أدب شاعرين يعتمدون في تحليل آثارهما على نور الحقيقة لا على نبضات القلوب
وهذا الإيثار لا يحط من قدر حافظ. فهو من أقطاب الشعر في هذا العصر. وإذا استثنينا شوقي ومطران قلنا إن البلاد العربية لم تنجب حتى الآن من أمثاله. ويسرنا أن تدرك أخيراً مصر قدره وتقيم له المهرجان تلو المهرجان. وكنا نود أن يلقى هذا التكريم وهو في قيد الحياة. فكان بحاجة إلى التقدير بعد كل ما عانى من بؤس وخيبة.
والتقدير لا يكفي إذا تهاون المصريون في أمر ضريح الشاعر، فإن لرفات هذا الشاعر الجندي المتوقد القريحة شأناً تاريخياً من حق مصر أن تعتز به، فلن يقوم في كل يوم فيها شاعر كحافظ إبراهيم.
ولقد أثبتت الأقطار العربية الأخرى أنها تحترم حافظاً وتنحني أمام أدبه العالي. فأوفدت ممثليها للاحتفال بذكراه والتغني بمحامده، ولا ريب أن الملوك أنفسهم يشتهون أن ينالوا ما يتمتع به الشعراء بعد موتهم من خلود وتكريم. فالمتنبي والفردوسي لقيا من يحتفل بمرور ألف عام على موتهما. مع أن هذا التقدير العالي لم ينل مثله كسرى ولا هرون الرشيد. وأين الفردوسي والمتنبي من كسرى وهرون الرشيد في إبان حياتهما!. ولكن الأدب أبقى من العروش، والشاعر أبعد خلوداً من الملوك، وحافظ من هؤلاء الخالدين. ومن الراهن أن