ساحر من ذلك القصص الغرامي الذي يصلح بموضوعه ومناظره وألوانه موضوعاً لمسرحيات من الطراز الأول في سحرها وروعتها
ولي الآمر بأحكام الله الخلافة وهو طفل في نحو السادسة من عمره سنة ٤٩٥هـ (١١٠٢م) رفعه إليها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه وزير أبيه الخليفة المستعلى، وجده المستنصر من قبل، والمتغلب على الدولة، والمستأثر بسلطانها؛ ونشأ الآمر في كنف هذا الوزير الطاغية، كما ينشأ جميع الأمراء الذين ليس لهم من الملك غير رسومه ومظاهره، محجوباً في قصره، مغموراً بأنواع الملاهي والمسرات؛ بيد أنه نشأ مع ذلك طموحاً ينزع إلى السلطان والبطش فلما بلغ أشده، وشعر بوطأة المتغلب عليه أخذ يتربص به حتى استطاع أن يدبر مصرعه، وقتل الأفضل سنة ٥١٥هـ؛ وتولى مكانه المأمون البطائحي؛ وقبض مثل سلفه على السلطة بقوة وحزم، فلم يلبث أن لقي نفس مصيره، فقتل في سنة ٥١٩هـ، واستأثر الآمر عندئذ بكل سلطة، وأطلق العنان لأهوائه وإسرافه وبذخه؛ وكان الآمر أميراً مرحاً، مضطرم النفس والأهواء، مشغوفاً بحياة اللهو والطرب، وافر السخاء والبذل، يعشق البذخ الطائل؛ وكان يهيم بالجواري والحسان، لا يطيق الحياة دون حب وهوى، وكان يشغف بفتيات البادية بنوع خاص، وله مع إحداهن قصة غرام مؤثرة، تنقلها إلينا الرواية في ألوان ساحرة، فكأنما تقرأ فيها كما تذكر الرواية ذاتها فصلاً من فصول ألف ليلة وليلة، أو ما يشابهها من القصص العجيب المغرق
كان الآمر يهيم كما قلنا بفتيات البادية، ويرسل في أثرهن رسله وعيونه، يجوبون البوادي والنجوع، ويبحثون عن روائع الجمال الساذج في ثنايا الخيام وفي مهاد البداوة النقية؛ فنقل إليه بعضهم أنه عثر ببعض أحياء الصعيد بجارية عربية هي مثال رائع للجمال العربي آية في الحسن والرشاقة والظرف، أديبة شاعرة، وافرة الذكاء والسحر؛ والى هنا تبقى القصة عادية ليس فيها ما يثير الدهشة؛ بيد أن الرواية تجنح بعدئذ إلى نوع من القصص الرائع، فتقول لنا أن الخليفة الآمر لما سمع بخبر هذه الفتاة البارعة في الحسن وفي الجمال، أراد أن يراها بنفسه قبل أن يتخذ في شأنها أي إجراء، فتزيا بزي الأعراب وغادر قصره بالقاهرة، وسار إلى الصعيد، وأخذ يتجول بين الأحياء حتى وقف على حيها واستطاع أن يتصل بأهلها دون أن يعرفوه وأن يظفر برؤيتها وتأمل محاسنها؛ فما أن رآها