للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المنطقية من هذا كله في رأي الكاتب الفاضل كما يقول في مكان آخر من كلمته (إن طبيعة لغتنا والظرف القائم فينا يجعل من أوليات المهام التي يجب أن يباشرها مجمع اللغة العربية النظر في وضع المصطلحات العربية الصحيحة).

ولست أريد أن أناقش هنا هذه الحجة والنتيجة المستخلصة منها، لأنه من الواضح أن هذا القياس كله يقوم على زعم اقتنع به الكاتب الفاضل: وهو أنه إذا اجتمع لمجمع لغة ظروف بعينها فعليه أن يقوم بوضع المصطلحات العلمية، وهذا هو ما أنكره

أنكر أن يقوم مجمع لغة مهما يكن وفي أي بلد يكون ومهما تكن الظروف بوضع اصطلاح علمي. ومع احترامي الشديد لأعضاء مجمعنا الموقرين - ومنهم من كان لي أستاذاً بل ومنهم من تربطني به صلات هي أوثق من صلة التلميذ بأستاذه - فإنني لا أخفي أن في إنكاري هذا إنكاراً لمجموع مجهودهم إزاء المصطلحات العلمية؛ فإن ثمة حقيقة أولية هي من الخطر بحيث لا ينبغي السكوت عليها: لا يختلف اثنان في أن مهمة مجمع اللغة العربية هي العناية باللغة العربية - بصرف النظر الآن عن الطريق التي يسلكها إلى ذلك - كما أن مهمة مجمع اللغة الفرنسية هي العناية باللغة الفرنسية، وليس لأحدهما أن يعنى بلغة غير اللغة المنوط به أمرها. فإذا كان الأمر كذلك فإن هناك حقيقة أولية هي أن لغة العلم لغة دولية مستقلة لا شأن لها باللغة العربية ولا شأن لها بغيرها من اللغات، هذا هو موضوع كلمتي هذه.

تصفح معجماً فرنسياً متداولاً مثل (لاروس) ثم تصفح معجما إنجليزياً متداولاً مثل (تشيمبرسز) ثم تصفح معجماً ألمانياً متداولاً مثل (سكس فيلات) فلن تجد كلمة (كروموسوم) التي تجنى الكاتب الفاضل إسماعيل مظهر على أساتذة كلية العلوم المصرية بأن المجمع أوجد لها لفظاً عربياً، فإذا أردت الآن أن تتصفح معجماً علمياً مطبوعاً في فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا أو غيرها من البلاد وجدت كلمة (كرومسوم) هي هي يستعملها العالم الفرنسي والإنجليزي والألماني على السواء. هل يريدني الكاتب الفاضل أن أعلق على هذه الحقيقة؟ كروموسوم التي ترجمها مجمع اللغة العربية بكلمة (صبغي) ليست فرنسية ولا ألمانية ولا إنجليزية بل ولا يونانية؛ نعم لا أرسطو ولا معاصروه يعرفونها، ولا سكان اليونان الحاليون من غير المشتغلين بالعلم يعرفونها، هي ربط تحكمي بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>