وهذه الحجة الساخرة بما فيها من ضراوة المرأة المستهترة كثيراً ما تتمثل في الحياة. ولا أشك في أن القراء يجهلون تلك القصة الدامية التي تركها الشاعر الإلهي الساحر - دي موسيه - مع جورج ساند وكيف عبثت بقلبه الرقيق لتتعلق بطبيب إيطالي لأنه لا يهمهم في الظلمة. . . ولا يحب الخمرة. . . مثل موسيه!
لقد يطول بي الحديث إذا أنا مررت بكل ما هنالك من شؤون وعبر. ولكنني مكتف الآن بإيراد لمحة وجيزة عن غرام الشاعر المشهور - شارل بودلير - مع حبيبته المعبودة - جان ديفال - التي ألهمته أشجى أشعار الحب والجمال في كتابه الخالد (أزاهير الشر) وهذه الحبيبة التي عشقها طول حياته كانت سوداء!!
وأعتقد أن الشعراء الساخرين ليضحكون من هيام الشاعر اللطيف بامرأة سوداء. نعم قد يضحكون. . ولكنه الغرام. . . الغرام القاهر الذي يستحوذ على القلب الضعيف فيقيده بالسلاسل ويغله بالأصفاد
وعلى الرغم من شغف الشاعر، ولهفة روحه، وثابت وفائه، فقد خدعته حبيبته الماكرة بعد أن نحت لها من غرامه تمثالاً ومن حبه محراباً للعبادة. ولكن هذا الخداع في الغرام. وهذه الخيانة في الحب أغنيا الأدب الفرنسي لأنهما أفاضا دموع الشاعر وأوقدا نار وجده وحنينه!
أنا لا أريد أن أشجب الحب، وأن أهجو الغرام. كلا ما إلى هذا أذهب. . بل أريد إثبات أنهما موجودان وحسب في كتب الشعراء وتماثيل الحفارين. والشاعر والحفار لا يصوران غالباً إلا كل ما سما في فضاء الأحلام وما تمدد على سرير الشعور والإحساس
الرجل الذي يعتقد خلود الغرام ووفاء الحب هو رجل مسكين يستحق الشفقة. . . إذ لا قبلة يبقى طعمها على الشفاه، ولا وعود تظل محفوظة، ولا ذكرى تحيا في القلوب
وجل ما هنالك حب كاذب وغرام خادع شبيهان بالخطوط التي ترسمها الأمواج على رمال الشاطئ فإذا لم تمحها العاصفة لا تلبث الأمواج أن تمحوها. فالحب الذي لا تبدده الحياة يبدد نفسه بنفسه، والغرام الذي لا يبعثره الموت يبعثر ذاته بذاته
هما حلم يراود الروح في المنام، ولكن اليقظة تشتته ولا تترك منه إلا أثراً دامياً يحنظل الأماني، ويشقي الآمال