إن هذه القبلة الطافية فوق ألفاظ العاشقة الوالهة، وهذا التوق الملح النابض بأسرار قلبها، وهذا الإيمان الثابت القاطن أعشاش صدرها. . . إن كل ذلك هل تحافظ عليه دون خداع في الحب؛ ولنفرض أن حبيبها حجبه الموت بعد حين فهل تبقى وفية له طول أيامها؟
لقد مات - إيفان بارشوف - بعد كتالة هذه الرسائل بثلاثة أسابيع. فلا أذكر إذا كانت الراقصة المغرمة قد تفجعت عليه تفجعها في رسائلها إليه. ولكني أعلم أنها نسيته سريعاً
فإنها لم تبكه بدمعة
ولم تنثر على ضريحه زهرة ولم تذكره بكلمة. . .
ولم تتلهف على أيامه الماضية
بل كانت، بل أن يجف قبره، تعانق حبيباً جديداً لتنسى في دعابه ومزاحه ذلك العاشق المسكين الذي أسكنه الدهر تلك الحفرة الضيقة الباردة ليقضي فيها زمناً مجهولاً غير عالم بما يجري في هذا الوجود
فالوفاء والعهود كلمتان نجدهما في كتب الشعراء وتماثيل الحفارين. أما في هذا العالم فلسنا نجد إلا حباً كاذباً وغراماً سريع الزوال يعقبه دائماً نسيان أبدي على أثر محو القبلة التي تتبادلها الشفاه!
وهناك حب سريع الزوال، فهو وإن مازجته الدموع وأفعمته التنهدات، تمحوه الحياة كما يمحو شعاع الشمس لهاث الطفل العالق على لوح من زجاج
في أواسط الجيل الماضي تحدث الناس عاماً كاملاً عن قصة غرامية جرت حوادثها بين الغادة الحسناء (المدموازيل إلسيت) وبين الشاعر الجميل - شارل هيكو. والذي عجب له الناس كثيراً هو هيام الحسناء بالشاعر الصغير وتفضيلها إياه على كبار رجال باريس الذين غمروها بالذهب والحلي وأحاطوها بكل أسباب الترف والأبهة والكبرياء
وقد أبقى العاشقان رواية يطرب استماعها، ويشوق موضوعها. فإن الحسناء كانت كلفة كثيراً بالشاعر إلى درجة أنها لم تكن تقوى فيها على فراقه ساعة واحدة وفي ذات يوم كحم على العاشق الفتى أن يبرح باريس شهراً على الأقل فلما عاد إلى ذراعيها صدته عنها بحجة أن قبعته المعجب بها ليست ظريفة. وإن الأشعار التي ينشدها إياها مختلسة من دفتر صغير أسود الغلاف يقبع دائماً تحت وسادة والده الشاعر الكبير فيكتور هيكو