فجعل صاحبي يضحك كمن به مس، وما عهدته يضحك كذلك إلا نادراً، ثم قال:
إنا إذن في ١٩ يوليو؟
- نعم يا سيدي
- إذن قل لها تنتظر وأعد لها الطعام فإني عائد بعد عشر دقائق.
ولما انصرف الخادم أخذ صاحبي بذراعي وقال:
- فلنمش على مهل، إني قاص عليك قصة هذه المرأة.
منذ سبع سنين أي في السنة التي حللت بها هنا: خرجت في أصيل يوم أطوف في الغابة. وكان يوماً طلقاً صافياً كيومنا هذا وجعلت أسير متئداً تحت أفنان الدوح أتأمل نجوم السماء من خلل أوراقها، مستجلباً لرئتي بليل نسمات الليل وطيب زهر الغابة.
وكنت قريب عهد بهجري باريس. إذ تملكني سأم شديد وعافت نفسي كل ما رأت عيني وأخذت منه بنصيب من كل سخيف وزري وذميم مدة خمسة عشر عاماً.
وأمعنت في السير وتوغلت في مسالك هذه الغابة ومضيت في فج مها عميق يؤدي إلى قرية جروزي على مدى غلوة من هنا، وإذا بكلبي قد وقف فجأة ونبح، فظننت أنه رأى ذئباً أو وحشاً ضارياً فدلفت متسللاً كظيم الخطو ولكني سمعت بغتة صراخاً علا، صراخ إنسان يستغيث مختنقاً تتمزق له نياط القلوب من رحمة. فما شككت أنه رجل يغتاله مغتال في خميلة فعدوت لنجدته وبيميني هراوة غليظة ضربتها مردية
دنوت ن هذا الصراخ الذي كان ينجلي كلما قاربته ولكنه خفيض مع ذلك مكظوم، كأنه صادر من بيت، وربما من خص حطاب، وكان كلبي بوك يتقدمني على قيد خطوات تارة يعدو، وتارة يقف، ثم ينطلق انطلاق السهم هائجاً حنقاً مسترسل الهرير ولم نلبث أن برز لنا كلب آخر أسود عظيم الهيكل كأن عينيه جمرتان قد كشر عن أنياب عصل يلمع بين شدقيه بياضها
فهممت أن أهوي عليه بهرواتي ولكن بوك سبقني إليه فتلاحما وتصارعا وتجاولا،