ومضيت أنا قدماً، وإذا بي أكاد أتعثر بجواد متطرح في الطريق، وإذ وقفت مبهوتاً أتأمل هذه الدابة لمحت عربة أمامي، بل بيتا طائفاً، أحد مساكن هؤلاء الباعة المتجولين
ومن ههنا كان مصدر هذا الصراخ الفظيع المتلاحق. ولما كان الباب من الناحية الأخرى، فقد درت بهذه العربة واندفعت أرقى الدرجات الثلاث الخشبية وأنا أهم بأن أصرع المعتدي بهراوتي
ولكني شاهدت عجباً، والتبس علي الأمر فلم أفقه لأول وهلة شيئاً: هذا رجل قد جثا على الأرض كأنه يصلي، وعلى الفراش الذي استوى في جوف هذه العربة شيء قد جثم لا سبيل إلى تمييزه: بشر نصف عار قد انطوى على نفسه وهو يتلوى كالثعبان لا أرى وجهه، يميد ويضطرب وكأن صراخه خوار ثور
فإذا هي امرأة تعاني آلام الوضع
فما إن أدركت كنه الأمر وتبين لي ما غمض من حقيقة هذا الحادث الذي كان عنه هذا الصراخ حتى أذنتهما بوجودي، فجعل الرجل وهو يشبه أهالي مارسيليا يسألني ملحاً ذاهب اللب أن أغيثه وأغيثها وهو يواثقني بكلام لا آخر له على الوفاء والذكر لجميل، بما أقضي منه عجباً. ولم أك قد رأيت ولادة قط، ولا أسعفت أنثى قط في مثل هذه الأحوال، وذكرت له ذلك في بساطة، وأنا أنظر ذاهلاً إلى هذه التي تصم الآذان جلجلة صراخها في هذا الفراش
ثم سألت الرجل الواهن الحسير وقد استرددت جأشي: ما بالك لا تذهب إلى القرية القريبة؟ فقال إن جواده هوى في حفير فانكسرت ساقه فهو رازح لا يريم
- فقلت له: يا هذا لا بأس عليك. الآن نحن اثنان. إنا سنتعاون في جر العربة بامرأتك إلى بيتي.
ولكنا لم يسعنا إلا الخروج إلى الكلبين. إذ علا هريرهما وما فصلناهما إلا بضرب بالهراوة شديد كاد يخمد أنفاسهما، ثم خطر لي أن أشدهما بين أقدامنا إلى العربة استعانة بهما، هذا يمنة وذاك يسرة وما انقضت عشر دقائق حتى كنا على تمام الأهبة. وأخذت العربة تسير الهوينا، فترج - باهتزاز عجلاتها فيما تخط في الأرض ممعنة من أخاديد - تلك المرأة المسكينة الممزقة الأحشاء