لأن الله لا يناقض نفسه. كل هذا فهمه محمد ووعاه ببصيرته النورانية النافذة، فجاء أسلوب الإسلام في الإفصاح عن (الحق) واضحاً جلياً؛ لا يأمر بالرهبنة، ولا بالفرار من الدنيا، ولا بتعذيب الجسد من أجل الله لأن الله لا يأمر بتحطيم ما بناه
إنما يريد الله أن تعيش الأحياء طبقاً لقوانين الحياة التي وضعها لها، وأن تجاهد في سبيل هذه الحياة، وأن تتغلب على عناصر الفناء بما هيأه لها من مناعة طبيعية، أو مناعة اكتسابية. والدين هو أداة المناعة الاكتسابية لمكافحة عناصر الفناء المادية والأدبية
فلئن كانت غاية الدين عند البشر توفير أسباب الحياة الصحيحة، والدنيا الصحيحة خير تمهيد لآخرة صحيحة، فإن الإسلام بلا مراء هو دين الصحة في كل شيء. فهو ذو صوت جهير في الدعوة إلى صحة الجسم وصحة العقل وصحة العقيدة. ولئن كان ماضي هذا الدين السليم مجيدا، فإن مستقبله ولا ريب يبشر بازدهار يعم الأرض لو استطعنا أن نجرده من سفسطة الجامدين، وننقيه من ثرثرة المتنطعين، وننقذه من احتكار الجهال المحترفين، وأن نرده إلى مبادئه البسيطة الصافية التي لا تصدم تقدما ولا تعارض التطور الطبيعي للأذهان والأشياء. وقتئذ فقط نستطيع أن نغزو به كل النفوس وكل العقول. فإن الدين (المثالي) هو الدين البسيط. وهل أبسط من الإسلام شريعة وهي لا تعرف (رجال دين) ولا تقر وجود أناس يجعلون من هداية الناس حرفة يأكلون منها ويكنزون، ومن (الدين) مهنة تدر الرزق وتعطي متاع (لدنيا)؟ إن أولئك الذين يجعلون (الدين) سلما (للدنيا) لا (الدنيا) سلما (للدين) قد طردهم الإسلام بعيدا عن حظيرته، وجعل الدين سمحا باسما باسطا ذراعيه لكل الناس لا احتراف فيه ولا احتكار. نعم، إن حاجة البشر كافة قد أصبحت متجهة إلى هذا النمير العلوي الصافي من المبادئ البسيطة المستقيمة التي لا خداع فيها ولا تمويه ولا تناقض ولا تشويه ولا إخلال ولا تدخل في قوانين الطبيعة الأساسية التي وضعها المبدع الأعظم. إذا تم ذلك للإسلام في هذا العصر فلسوف يأتي يوم يقف فيه أهل الأرض أجمعون من كل جنس ولون على آطام بلادهم يصيحون في كل حول صيحة ذلك اليهودي: