تحفزها للعمل، ونورا يهديها السبيل، وتسمو النفوس عن الصغائر والدنيا، وتطهر من الأحقاد والضغائن، وتحرر حتى تأبى على القيود، وتتسع على الحدود، وتنطلق في الكمال إلى أبعد غاية
فهل انتهت هذه الدعوة الإسلامية؟ هل أظلم قلب المسلم؟ هل ذلت نفسه؟ هل ذهب الخشوع بآماله؟ هل رده الدهر إلى الصغار، وأنزله اليأس إلى القرار؟ هل يئس المسلم من السيادة ورضى أن يسلم قياده؟
كلا كلا، أن في الإسلام من المثل والأخلاق والفضائل والعزة والإباء والسمو والتاريخ الوضاء ما يملأ المسلمين حياة وآمالا وطموحاً واحتراما. لم تنته دعوة الإسلام ولكنها اليوم تقوى وتعظم، وقد تهيا الزمان لها ومهدت الحادثات سبلها. بدأ الإسلام دعوته منذ أربعة عشر قرناً ولكنها لم تبلغ غايتها وأجدر بها اليوم أن تبلغها
ما تزال النفوس الإنسانية طماحة إلى السمو، نزاعة إلى الخير، مفعمة بحب الحق والعدل، تواقة إلى الأخوة والحرية. فلن تقف دعوة الإسلام. ما يزال المسلم الحق يرى نفسه خليفة الله في الأرض، مكلفاً أن يقيم العدل بين الناس، موكلا بنصرة الخير ومحاربة الشر، أنى كان ومتى استطاع. كل الأرض داره، وكل الزمان وقته. فلن تقف دعوة الإسلام ما يزال المسلم ينطوي على عزة تقهر الخطوب، وأمل يغلب الزمان؛ ونفس لا تسف، وقلب لا يذل، وما تزال سيرة محمد في عقله وقلبه، ولا يزال مجد الإسلام ملء جوانحه، ولا تزال كلمة الحق والعدل ملء ضميره. فلن تقف دعوة الإسلام. إن دعوة الإسلام لا تقف حتى يموت الخلق العلي والقلب الأبي في نفوس البشر.
وقل للذين يزعمون إنهم حماة الإسلام: إن الإسلام في حماية أهله ورعاية تاريخه. ما أذل الإسلام إن ابتغى في غير أولاده حماة! وما أذل المسلمين إن رضوا بغير حماية الله! يا حسرة على الحق إن التمس من الباطل حاميا! ويا خسران العدل إن ابتغى من الظلم ناصراً! وويل لورثة محمد إن لم تحمهم سيرة محمد وخلفائه، ومن أنجبتهم العصور من أئمته وأبطاله!
إن في دين المسلم، وإن في قلب المسلم، وإن في خلق المسلم، ما يربا به عن كل دنية، ويصمد به إلى كل هول، ويثبته في كل كارثة، ويسمو به على كل عقبة.