وعن الطريقة التي يجب أن يحفظ بها الأمراء وعودهم، وعما يجب عليهم لتجنب بغض الشعب واحتقاره، وما يجب عليهم لاكتساب الشهرة والمجد، وأخيراً يتحدث عن حجاب الأمير (سكرتارية) وعن وجوب تجنب الملق، وعن الأسباب التي فقد بها أمراء إيطاليا دولهم، وعما يمكن أن يؤديه حسن الطالع في سير الشؤون البشرية؛ ثم يختتم بالحث على تحرير إيطاليا من نير الأجانب أو غزوات البرابرة كما يسميهم.
تلك هي المباحث التي جعلها ميكافيللي قوام فلسفته عن الدولة والأمير. ويبدو بالأخص مما كتبه عن (الأمير) انه يعالج موضوعاً عالجه المفكرون المسلمون قبل ابن خلدون بعصور طويلة، هو موضوع (السياسة الملكية) وهو موضوع يجري منذ القرن الثالث الهجري في التفكير الإسلامي مع بحث أو علم خاص هو علم السياسة على نحو ما بينا في فصل سابق. وقد رأينا مما تقدم أن (السياسة) كانت تفهم عند العرب في العصور الأولى بمعنى ضيق جداً هو شرح الخلال الحسنة التي يجب أن يتصف بها الأمير، والعيوب التي يجب أن يبرأ منها لكي يصلح لرآسة الدولة وتبوء الملك؛ ولكي يستطيع الحكم بأهلية وكفاية. ثم توسع المفكرون المسلمون في فنهم معنى (السياسة) وقسموها إلى عدة أنواع؛ وتناولوا (السياسة الملكية) من الناحية الفقهية وكذا من الناحية الإدارية وبحثوا مركز الأمير من الناحية الشرعية وتحدثوا عن الخطط السلطانية، وظاهر ما يتناوله المفكر الإيطالي من خواص الأمير وخلاله وواجباته هو ضرب مما تناوله المفكرون المسلمون منذ أواخر القرن الثالث الهجري. ومن ذلك ما كتبه ابن قتيبة في كتاب (عيون الأخبار) والماوردي في كتاب (الأحكام السلطانية) والطرطوشي في كتاب (سراج الملوك) والغزالي في كتاب (التبر المسبوك)، ثم ابن الطقطقي في كتاب (الآداب السلطانية). وهو موضوع تناوله ابن خلدون فيما تناوله من أحوال الدول العامة والملك، إذ يتحدث هنا عن حقيقة الملك وأصنافه، وعن معنى الخلافة والامامة، وعن مختلف المذاهب والآراء في حكم الإمامة ثم عن الخطط السلطانية، وحديثه في ذلك يمتاز عن حديث أسلافه بما يتخلل بحثه وتدليله من الملاحظات والتأملات الاجتماعية التي لم يوفق إليها باحث قبله.
على أن ميكافيللي يمتاز في بحثه بروح عملية جافة. وبينما يتحدث المفكرون المسلمون