على إنطاكية، وهزموا الجيوش الفاطمية أولا، ثم عادوا فارتدوا أمامها تحت أسوار طرابلس، واختتم عهد المعز لدين الله، والروم يبسطون سلطانهم على قسم كبير من شمال الشام.
وفي عهد العزيز بالله استؤنف النضال بين الدولتين؛ وكان خطر القرامطة قد خبا وتحطم تحت ضربات الدولة الفاطمية. وألفى الفاطميون والروم أنفسهم في سهول الشام وجها لوجه؛ وكانت الدولة البيزنطية تجوز في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر مرحلة جديدة من القوة والنهوض في عصر الأسرة البسيلية، ولاسيما في عهد الإمبراطور باسيل الثاني (٩٧٦ - ١٠٢٥م)، معاصر العزيز بالله وولده الحاكم بأمر الله؛ وكانت السياسة البيزنطية كعادتها تشجع كل عناصر الانتقاض أو الخروج في المملكة الإسلامية؛ فلما همت الجيوش الفاطمية بغزو حلب واستغاث بنو حمدان بحلفائهم الروم، سار الروم لقتال المصريين ونشبت بينهما معركة طاحنة على مقربة من إنطاكية (٣٨١هـ - ٩٩١م)، فهزم الروم هزيمة شديدة؛ وخشيت السياسة البيزنطية عواقب هذا الفشل، فسار الإمبراطور باسيل الثاني بنفسه إلى الشام وغزا حمص وأعمالها، وبسط سلطانه على معظم سواحل الشام؛ وارتاعت الخلافة الفاطمية لهذا التطور الخطير في حوادث الشام، وهم العزيز بالمسير بنفسه إلى قتال البيزنطيين، ولكن الموت أدركه في الطريق؛ وخلفه ولده الحاكم بأمر الله طفلا، وتولى تدبير شؤون المملكة وصيه برجوان الصقلى؛ واضطربت حوادث الشام حينا، وشجعت السياسة البيزنطية قيام الثورة في صور، وسار الروم في البر والبحر لمؤازرة الثوار؛ ولكن برجوان كان رجل الموقف، فبعث إلى الشام بجيش كبير، استطاع إن يخمد الثورة، وأن يهزم البيزنطيين في عدة مواقع (٣٧٨هـ - ٩٩٨م)، واضطر باسيل الثاني أن يسير بنفسه إلى الشام مرة أخرى. ولكنه ما لبث أن اضطر إلى العودة إلى قسطنطينية ليتأهب لرد خصومه البلغار الذين هددوه بالغزو من الشمال:
وهكذا لبثت الشام مدى حين ميدان النضال بين الدولتين الفاطمية والبيزنطية. كانت السياسة البيزنطية ترى في قيام الدولة الفاطمية وتوطدها بمصر والشام خطرا جديداً عليها، وتحاول أن تغالب هذا الخطر ما استطاعت؛ وكانت الدولة الفاطمية من جانبها تعمل لتوطيد حدودها الشمالية ورد الخطر البيزنطي عنها، ولم تكن تجيش في ذلك بأكثر من