الإمبراطورة تيودورا، واشترطت لتنفيذ شروطا جديدة أباها المستنصر، واضطربت علائق الدولتين، واشتبك الفريقان في عدة معارك شديدة في البر والبحر؛ وفي سنة ٤٤٧هـ (١٠٥٥م) أرسل المستنصر سفيراً إلى تبودورا هو القاضي أبو عبد الله القضاعي ليحاول تسوية العلائق واستئناف الصداقة؛ ولكن السياسة البيزنطية آثرت جانب السلاجقة ورأت أن تتفاهم معهم، وأخفق سعي السفير المصري؛ وكانت فورة السلاجقة قد اضطرمت قبل ذلك بالمشرق، وأخذت تنذر باجتياح الشام، وتطورت حوادث الشام في الوقت نفسه تطورا سيئا، واستولى الزعماء العرب على قواعده وثغوره، فانتزعت حلب من يد الخلافة الفاطمية نهائيا، وكادت دمشق وفلسطين تخرج عن قبضتها، وتضعضعت قوى الدولة في الداخلة والخارج؛ ثم كانت وثبة السلاجقة نحو المشرق واستيلاؤهم على فلسطين ودمشق؛ وأعقبت ذلك فورة من الغرب كانت أخطر ما عرفت الأمم الإسلامية: تلك هي ثورة الحروب الصليبية التي اضطرمت منذ أواخر القرن الحادي عشر، وسرعان ما ظفرت بانتزاع الشام وفلسطين من قبضة الإسلام؛ وحلت المملكة اللاتينية في بيت المقدس مدى حين، وقامت الإمارات النصرانية في الشام حاجزا بين الدولة الفاطمية والدولة البيزنطية، وتحول مجرى العلائق الدبلوماسية بين الإسلام والنصرانية، وافتتح بينهما عهد طويل من النضال المضطرم؛ وانحدرت الدولة الفاطمية إلى مرحلة الانحلال الأخير، كما انحدرت الدولة البيزنطية خصيمتها ومنافستها القديمة إلى مرحلة مماثلة من الضعف والانحلال