للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مع الدولة البيزنطية، فبعثت نيقفور بطريرك بيت المقدس سفيرا إلى باسيل الثاني ليعمل على عقد أواصر التفاهم والصداقة بين الدولتين سنة ٤١٤هـ (١٠٢٤م) ويطلعه على ما اتخذه بلاط القاهرة من الإجراءات لتحرير النصارى ورفع الإرهاق عنهم وحمايتهم في أموالهم وأنفسهم؛ ولكن الأميرة ست الملك توفيت قبل أن يستطيع السفير تأدية مهمته، ورده بلاط قسطنطينية بلطف، فعاد أدراجه، ولم يمض قليل حتى توفي باسيل الثاني (١٠٢٥م).

ولكن الخلافة الفاطمية آثرت أن تمضي في سياستها الودية نحو الدولة البيزنطية؛ ومع أن الجيوش البيزنطية اشتبكت في الأعوام التالية في عدة معارك وحروب محلية في حلب وإنطاكية مع الأمراء العرب المحليين، وهزمت أمامهم غير مرة، فإن حكومة القاهرة لم تشأ أن تتدخل في تلك المعارك ولا أن تنتهز تلك الفرصة لمحاربة البيزنطيين؛ ووقعت المفاوضات بين الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله والإمبراطور رومانوس الثالث لعقد معاهدة صداقة بين الدولتين، واشترط الإمبراطور لعقدها أن يتولى إعادة تعمير كنيسة القيامة وأن يعمر النصارى ما شاءوا من كنائسهم الدراسة، وان يقيم بطريركا من قبله لبيت المقدس، وأن تمتنع حكومة القاهرة من التعرض لشؤون حلب أو مصايرها باعتبارها داخلة في حماية الإمبراطور وتؤدي له الجزية، وأن تمتنع عن نجدة صاحب صقلية المسلم إذا هاجمته الجيوش البيزنطية؛ ولكن الظاهر رفض التخلي عن حلب باعتبارها عاصمة إسلامية جليلة؛ وطالت المفاوضات بين الفريقين، وانتهت بعقد معاهدة صداقة بينهما، سمح فيها للإمبراطور أن يتولى تعمير القبر المقدس، وللنصارى أن يعمروا كنائسهم وأن يعود منهم من أسلم كرها إلى دينه؛ وأن يطلق الإمبراطور سراح الأسرى المسلمين لديه، وأن يعيد مسجد قسطنطينية كما كان ويسمح فيه بالآذان وبالخطبة للظاهر؛ بيد أن الكنيسة الشهيرة لم يجدد بناؤها إلى بعد ذلك بنحو عشرة أعوام في عهد المستنصر بالله

وفي عهد الخليفة المستنصر بالله ولد الظاهر اضطربت شئون الخلافة الفاطمية، واضطربت العلائق بين مصر وبيزنطية، وعانت مصر في أوائل هذا العهد أروع مصائب الغلاء والقحط والوباء مدى أعوام ثمانية تعرف بالشدة العظمى (٤٤٦ - ٥٤٤هـ) وأرسل المستنصر بالله إلى الإمبراطور قسطنطين التاسع أن يمده بالغلال والأقوات، وتم الاتفاق بينهما على شروط هذه المعاونة، ولكن الإمبراطور توفي قبل تنفيذ الاتفاق، فخلفته

<<  <  ج:
ص:  >  >>