للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يا من ينصر الشعوب المظلومة؟ يا من يحمي العقل المهان؟ يا من ينقذ الفضيلة المعذبة؟

ليس من مجيب، كل شيء هادي في العالم!

بلغ السيل الربى، وعم اليأس، واشتدت المصيبة، فتلفت الناس فلم يجدوا أمامهم إلا البيع والكنائس، فأموا بيوت الله، ونفضوا أيديهم من الدنيا، وجاءوا يبغون فيها الفرج، لقد سدت في وجوههم كل الأبواب، ولكن باباً واحدا لا يزال مفتوحا فوق رءوسهم، هو باب السماء.

وسمعوا الفرج على ألسنة الكهان ورجال الدين، علموا أنه سيبعث نبي جديد، يطهر الأرض، وينشر العدل، فخرجوا فرحين مستبشرين، قد أحيا قلوبهم الأمل

وطفقوا يفتشون عن النبي الجديد، فتشوا عنه على ضفاف الأنهار في سهول العراق الجميلة. . . فتشوا عنه على جبال لبنان الشجراء، وحدائق الشام الغناء، فتشوا عنه في المدن الكبرى، عله يظهر إلى جانب القصور في القسطنطينية والمدائن، مثوى الجبروت البشري، فيهزها ويزلزلها، فتشوا عنه في كل مكان فلم يجدوه، إنه لن يخرج في السهول ولا في الجبال ولا في المدن الكبرى - ولكنه سيخرج من حيث انبثقت الحياة، من حيث بزغ فجرها من حيث خرجت الحضارات الأولى. . . من الجزيرة

تلك هي أم العالم فليلجأ العالم إلى أحضانها، كلما حاق به خطر؟

فتشوا عن النبي المنتظر في كل مكان فلم يجدوه، وازداد عسف الملوك، وظلم الطغاة، واشتد البلاء، وكمت الأفواه، وقيدت العقول، وديس الحق. . . فلجأ الناس مرة ثانية إلى البيع والكنائس. فسمعوا فيها البشارة، وكانت هذه المرة واضحة قريبة. . .

(يا شعوب العالم)!

(استبشروا فقد نشأت اليوم الموجة الخيرة التي ستغمر العالم - وتغسله من أدران الماضي - لقد نشأت من غار عال منقطع. في قمة جبل رفيع، ومشت تقطع الرمال - نحو أرض الثمار والرياحين - نحو أرض المدنيات. . . لقد ابتدأ اليوم أكبر حادث تاريخي: إن ركاب النبي المنتظر، قد تحرك من مكة يسير إلى نصرة الشعوب - إلى حماية العقل، إلى إنقاذ الفضيلة، إلى إنشاء عصر الحرية والعدالة والمساواة)

فخفقت القلوب في كل مكان لذكر النبي المصلح، وعاشت بحبه، وسألت:

- إلى أين بلغ؟ إلى أين بلغ؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>