نظروا إلى قائدهم الشاب زادت قامتهم استقامة، فإن هم بعضهم ببسمة وقفت البسمة على شفتيه حذر أن يطلع عليه إذا هو التفت.
وكان يوم دخول إنطاكية يوماً مشهوداً، فكان نساء المدينة وصبيانها أسرى ينتظرون حكم الفاتح فيهم؛ وكان رجالها وشبانها بين مقيد في الأصفاد، وجريح في مثاوي العلاج، وقتيل طريح على جانب الأسوار أو عرض الطريق، وبلغ القائد وجيشه ميدان المدينة الأكبر وقد احتشد فيه الأسرى والضعفاء يتطلعون جميعاً إلى من في يده الحكم في مصائرهم، وخمدت الأنفاس، وهدأت الأصوات، وأومأ القائد للجيش بالوقوف حول الميدان، فوقف الجند ينتظرون إلى أكوام الغنائم التي سيقسمها السلطان الأعظم بينهم وهي من كل نفيس ونادر من تحف الأمراء والأغنياء وقد وقف حولها جماعات من سبايا الحرب بين صبية وعذارى أو كهول وشبان ينظرون إلى قيودهم حانقين، أو يبكون ويندبون معولين.
وتقدم نحو سلاميش وفد من كبار المدينة وأمرائها حتى إذا ما صاروا منه على بضع خطوات ركعوا له ووقفوا يطلبون الإذن للكلام، فأذن لهم وهو معبس على عادته لا تفارقه تلك النظرة الجامدة التي في عينيه، وجعلوا يتكلمون بلسانهم وقد وقف رجل منهم يترجم ما يقولون. وطلبوا إليه أن يمن عليهم بالفكاك وأن يهبهم نساءهم وذراريهم تقربا إلى الله الذي نصره بعد أن وضعت الحرب أوزارها ودانت المدينة لحكم السلطان الأعظم، وقالوا له فيما قالوا (حسبك من تقتل من شباننا وكهولنا، وما تخرب من ديارنا ومعاهدنا؛ فلئن كانت بنا كبرياء لقد ذلت، ولئن كانت فينا عزة لقد هانت؛ وكفاك من الحرب النصر فلا تضم إليه دموع المساكين، ولهيب الفراق بين الأبناء والوالدين) غير أن سلاميش بقي على تعبيسه ووجومه ولم يجب إلا بإشارة لجنوده أن يعيدوا الأسرى إلى حيث كانوا وأن يستعدوا لنقل الغنائم والأسرى إلى مخازن السلطان أو إلى خيامه، فلم يكن للوفد إلا أن ينصرف والحسرة تأكل قلوبه.
ثم أمر القائد جنوده بالمسير إلى مخيمه وسار في الطليعة يتقدمه لولا أن استوقف نظره جماعة من الجند يجرون شخصا وهو يمانع ويجاهد، فتأمل الشخص فلاح له عن بعد شخص امرأة، فوقف وأمر الجنود بالوقوف، ثم أسرع إلى مكان الجند ليرى ما هناك فوقعت عينه على فتاة بين أذرع جنديين يدفعانها ويترددان في حملها. ولما اقترب منها