ولم يترك موقفه الأخير منها وهي أمامه في عرفات ممثلة في الحبشي بلال الأسود والرومي صهيب الأصفر والفارسي سلمان الأبيض والعربي في العدد الأكثر إلا وقد أخذ منها قراراً بإبلاغه الأمانة وأدائه الرسالة وأشهد الله على ذلك. ولو سكتوا لنطق الحصى الذي كان يرجم به في بدء الدعوة وحطام الأصنام التي هشمها بيمينه في يوم الفتح. .
أيها الرسول المنقذ! كلمة إقرار بالبلاغ يرسلها القرن الرابع عشر في فجر عام جديد لتلحق بإقرار صحابتك في فجر القرن الأول ويوشك الزمن أن يأخذ هذا الاعتراف من أفواه أهل الأرض جميعاً بعد أن ابتدءوا يعرفونك وينصفونك.
لقد بلغت كتاب الدنيا ورسالة كل شيء، إلى القلوب السليمة الكبيرة فجعلت من كل شيء محراباً تقف فيه لعبادة الله ذي المجد، وحب الحق والخير والجمال. .
ولا يزال صوتك يدوي في الآفاق مخترقاً أربعة عشر قرناً بسرعة الشمس والضوء، ولن يزال كذلك يعلن الكلمة التي أضاءت لها الظلمات وقام عليها صلاح العالم.
الحقوق والواجبات التي خصصت حياتك لتقريرها وأعلنتها في الخطبة الجامعة على الحشد الذي لم تلقه بعد كما توقعت. . صارت أبجدية الإنسانية ومزمور أمانيها، حملها العباد الذين كلفتهم حملها ممن شهدوا مقامك وسمعوا بلاغك أو سمعوا به،. حملوها أنهارا تجري من الصحراء أرض الجفاف إلى الوديان والسهول المخصبة بالنبات، الكزة المجدبة من فضيلة الإنسان فأمرعت بالخير والحق والجمال والسلام
وقد ثارت البشرية لهذه الحقوق بعدك ثورات عدة كلما بدأت رءوس الأصنام البشرية أو الحجرية تتحرك بعد أن قمعتها وحطمتها ببرهانك وفيصلك. . فالثورة الإنجليزية لإقرار الشورى، والثورة الفرنسية لإعلان حقوق الإنسان. . إنما هما صدى يحكى في خفوت وضآلة وبطء وتخلف، ثورتك الكبرى على الأرباب الزائفين والطواغيت وعناصر الدمار والفساد التي تأفك الإنسانية وديعة الله في الأرض وتصرفها عن وجه الله ذي الجلال ومقام الحق ونصاب العدل
وشتان ما بينهما وبينهما! إنها ثورة رجل يهتف في بوق النبوة له قلب فيه مدد من هدى الوحي، وسلام من رحمة الروح، وله يد بريئة من الإثم والجبروت تضرب أحياناً بمبضع الطبيب لإذهاب الألم لا لإحداثه. وكلاهما وبخاصة الفرنسية ثورة دامية قاسية عمياء