الخمرة، وإجادتها لوصفها لا يستلزم أن تكون شربتها. وإنما هي أديبة متقنة لصنعة الكلام وقرض الشعر فهي إنما تدل في شعرها على مقدرتها وإجادتها الصناعة لا أكثر ولا أقل. لكن دفاع جثامة عن أخته الجرباء غاظ أباه عقيلا فرماه بسهم فأصاب ساقه وأنفذ الرحل. ثم شد على الجرباء فعقر ناقتها، ثم حملها على ناقة جثامة وتركه عقيراً مع ناقة الجرباء. ثم قال لولا أن تسبني بنو مرة لما عشت (وهذا خطاب لابنه العقير أو ابنته) ثم خرج متوجهاً إلى أهله وقال للجرباء: لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون لأقتلنك. فلما قدموا على بني القين ندم عقيل على فعله بابنه جثامة فقال لهم: هل لكم في جزور انكسرت (يريد ناقة الجرباء التي عقرها) قالوا: نعم. قال: فالزموا أثر هذه الراحلة حتى تجدوا الجزور. فخرجوا حتى انتهوا إلى جثامة فوجدوه قد أنزفه الدم فتقسموا الجزور واحتملوا جثامة وأنزلوه عليهم وعالجوه حتى بريء وألحقوه بقومه، فلما كان قريبا منهم تغنّى:
أيعذر لاهينا ويُلحين في الصِبي ... وما هنَّ والفتيان إلا شقائق
المراد بالصبي اللهو الذي يكون في زمن الصبى عادة: فقال له القوم إنما أفلت (أو صوابه أَبْلَلْتَ) من الجراحة التي جرحك أبوك آنفاً وقد عاودت ما يكرهه. فامسك عن هذا ونحوه إذا لقيته لا يلحقك منه شر وعر (العُر الجرب والعرب يقرنونه بالشر لأنه يتلف أبلهم فكان أبغض شيء إليهم) فأجابهم جثّامة: إنما هذه خطرة خطرت، والراكب إذا سار يغني) انتهى نص المعجم.
فقول جثامة: أيعذر لاهينا الخ. إنما جاء في خبر رجوع عقيل مع ابنه وابنته من عند أصهاره بني مروان المقيمين في الشامات كما هو في معجم البلدان ولم يجيء في خبر تزويج جثامة أخته من الخليفة كما هو نص طبقات الشعراء. وقد تبين من هذا أن نص الطبقات ملفق من الخبرين المذكورين.
وفي الخبر الثاني الذي جاء في معجم البلدان وصف لنفسية عقيل بن علفة الجاهلي الجافي الطبع ونفسية ولديه الناشئين في الإسلام وقد فهما منه (أي من الإسلام) أنه لا يشدد النكير على متبعيه إلا في ارتكاب منكر أو استباحة حرام. أما أن تقول الفتاة المسلمة الشعر وتحسن صنعته وتصف الخمرة بما جعله الله فيها من تأثير في جسم شاربيها فلا يراه ذلك