للتخصص في العلوم العربية، فاتصلت بذلك الحلقة الثقافية بين إسبانيا العربية وإنجلترا. ومن ثم ازداد اهتمام العلماء في إنجلترا بعلوم العرب وتفوق من بينهم ميشيل سكوت (١١٧٥ - ١٢٣٢) وروجر باكون (١٢١٤ - ١٢٩٤)
فأما سكوت فكان طبيبا وفيلسوفا ومتضلعا في العربية، وبعد أن درس في اكسفورد وباريس انتقل إلى بالرمو وبولونيا بإيطاليا، ومن هناك واصل سفره في طلب العلم إلى طليطلة ليروي ظمأه من ينابيع حكمة العرب وعلومهم وفلسفتهم، واشتهر فيما بعد بتآليفه الكثيرة في الكيمياء والفلك والطب وكان أكثر اعتماده على المصادر العربية.
وأما روجر باكون فقد اشتهر في اكسفورد بكونه شارح الفلسفة العربية والارسطوطية وألف في علم البصريات كتابا نقل فيه عن كتب الخازن، وهناك في مكتبة مجلس كاتدرائية كانتربوري نسخة خطية مزخرفة من أواخر القرن الثالث عشر تسمى هي أقدم تفسير معروف لكتاب ارسطو في المنطق ظهر في إنجلترا على أثر إحياء العرب لفلسفة ارسطو، وهي تحمل اسم جون دي لندن الذي أخذ عن روجر باكون العلوم العربية.
ويرجع إلى العرب أيضاً فضل المحافظة على تراث الطب الإغريقي القديم وهناك حقيقة ذات أهمية قصوى في هذا الصدد وهي أن سبعة كتب من (تشريح جالينوس) وصلت أوربا عن طريق ترجمتها العربية أما أصولها الإغريقية فكانت قد فقدت.
وكان أشهر المترجمين للعلوم الطبية من العربية إلى اللاتينية (جيرار دي كريمونا) ١١١٤ - ١١٨٧ الذي اشتغل في مدرسة طليطلة معظم حياته وأتم في العشرين السنة الأخيرة منها ثمانين ترجمة بعضها في غاية الأهمية، ومنها كتاب الجراحة لأبي القاسم الزهراوي وقانون ابن سينا، وكتاب المنصوري للرازي، وبعض أجزاء (الحاوي).
ومن أعظم المترجمين والمفكرين من الأوروبيين في العصور الوسطى جربرت دي أوريلاك (٩٣٠ - ١٠٠٣) الذي صار فيما بعد البابا سلفستر الثاني فإنه عبر جبال البرانس وأتى إلى طليطلة لتحصيل علوم المسلمين ونقلها إلى أوروبا القوطية، ثم إنه عاد إلى فرنسا وأذاع علوم العرب في مدينة (ريمس) ثم نقل تلك العلوم إلى أنحاء فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ويعتبر أحد واضعي أساس النهضة العملية والأدبية والدينية في أوروبا في القرن الحادي عشر ويقال إنه الذي أدخل إلى أوروبا الأرقام العربية.