للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد أظهر أطباء العرب في إسبانيا في فهم الأوبئة والعدوى مقدرة وذكاء منقطعي النظير بين كافة أطباء أوروبا في العصر القديم والعصور الوسطى، يدلك على ذلك إنهم بحثوا منشأ الأوبئة وانتشارها بالعدوى. وقد ألف الطبيب الشهير ابن الخطيب من غرناطة (١٣١٣ - ١٣٧٤) كتاباً نفيساً عن (الطاعون) وصف فيه الطاعون الذي حل بأوروبا في القرن الرابع عشر وذكر فيه أن وجود العدوى تثبته التجربة ثم البحث ودليل الحواس ثم الرواية الموثوق بها عن انتقال المرض بالملابس والأوعية والحلي (كالقرط في الأذن) ومن شخص لآخر في المنزل الواحد وبإصابة ميناء سليم بوصول أناس مرضى من أرض موبوءة. . .!)

وكذلك كتب (ابن خاتمة) (توفي ١٣٦٩) كتابا عن الطاعون الذي فتك بالمرية في إسبانيا في سنتي ١٣٤٨ و١٣٤٩، وهذا الكتاب يفوق في دقته كل ما كتب في أوروبا عن الطواعين من القرن الرابع عشر إلى السادس عشر.

ولا يتسع المقام هنا للإسهاب في ذكر سائر النوابغ من أطباء العرب في ذلك العصر. وإنما ننوه بأنه كان من أهم عوامل بث العلوم الطبية العربية ونشرها في أوروبا إنشاء مدارس الترجمة التي كانت أهمها مدرسة طليطلة التي شيدها في سنة ١١٣٠ الأسقف ريموند وازدهرت حتى القرن الثالث عشر.

وكانت جامعات العرب في إسبانيا إذ ذاك قبلة أنظار طلاب العلم من كافة أنحاء أوروبا فكانوا يفدون إليها من كل حدب وصوب لينكبوا على دراسة العلوم العربية وترجمتها ثم نقلها إلى بلادهم فظل النفوذ العربي سائداً في الغرب قروناً عديدة وظلت تآليف الأطباء العرب مدة خمسمائة سنة برنامجا لدراسة الطب في أوروبا.

ومما يدلك على مدى سريان النفوذ العربي وهيمنته على النهضة الطبية في أوروبا أن الطبيب الشهير بطرس ألفونسو (ولد سنة ١٠٦٢) بعد أن أتقن الطب في مدارس العرب في إسبانيا قدم إلى إنجلترا ليكون طبيباً خاصاً للملك هنري الأول واشترك مع (والحز وبرايور أوف مالفرن) في وضع كتاب في الفلك اعتمد فيه على المصادر العربية، وكانت جهود هؤلاء الثلاثة بمثابة أول أثر للعلوم العربية في إنجلترا ثم لم ينقض بعد ذلك وقت طويل حتى امتاز أديلارد أوف بارت بكونه أول عالم أوربي كبير حضر إلى طليطلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>