تلك طريقتهم في جميع الرواية التاريخية ونقدها وضبطها؛ أما عرضهم لها فأصحاب السيرة والمغازي والأخباريون الأوائل كانوا يجمعون الروايات ويرتبونها بحسب موضوعاتها رسائل أو كتباً تشبه أبواب الحديث؛ ثم جاء المؤرخون فسلكوا في عرض الحوادث طريقتين أولاهما وأقدمهما الترتيب على السنين، ويظهر أن أول من صنف على هذا النمط الهيثم بن عدي المتوفى عام ٢٠٧، ثم اتبعها من بعده الطبري وابن مسكويه وابن الأثير وأبو الفداء، والأخرى الترتيب على العهود، وقد جرى عليها اليعقوبي والدينوري والمسعودي وغيرهم.
ويتصل بعرض الحوادث أسلوب أدائها وتصويرها: أما الأسلوب فكان على وجه العموم سهلا غير متكلف، وأما التصوير فكان فيه وضوح وقوة وحياة كما في العقود الأولى من تاريخ الطبري وفي بعض فصول ابن مسكويه والصولي.
ويمكن تلخيص أوجه النقص في طريقتهم في أمور ثلاثة: ضعف ملكة النقد عندهم بوجه عام، وإدارتهم التاريخ على الأفراد والحروب والسياسة في أبسط صورها، وعدم عنايتهم بالشئون العامة للجماعات أو بتعليل الحوادث والنفاذ إلى أسرارها
على أنه مهما قيل في نقص طريقتهم من الناحية العلمية فحسبهم أنهم خلفوا للمؤرخ الحديث ثروة تاريخية طائلة يستطيع أن يتدارك في صياغتها ما فاتهم. وإن العالم الحديث يسجل لهم أنهم أول من حاول ضبط الحوادث بالأستاذ والتوقيت الكامل. وانهم مدوا حدود البحث التاريخي ونوعوا التأليف فيه وأكثروه إلى درجة لم يلحق بهم فيها من تقدمهم أو عاصرهم من مؤرخي الأمم الأخرى، وأنهم أول من كتب في فلسفة التاريخ والاجتماع وتأريخ التاريخ، وأنهم حرصوا على العمل جهد طاقتهم بأول واجب المؤرخ وآخره، وهو الصدق في القول والنزاهة في الحكم