ذلك مجمل حال التاريخ عند العرب نشوءاً واكتمالا وهرماً وفناء؛ أما من حيث الطريقة العلمية التي اتبعوها فالتاريخ ابتدأ عندهم كما رأينا فرعاً من علم الحديث فكان حرياً أن يتأثر بطريقة المحدثين في جمع الرواية التاريخية ونقدها، فكان أهل السيرة والمغازي والأخبار يجمعون مأثور الروايات ويدونونها مع إسنادها إلى مصدره الأصلي وهو عادة رجل عدل له علم مباشر بالواقعة المروية كأن يكون عاينها أشترك فيها كما هي الحال في رواية أخبار السيرة والإسلام، أو أخذها من بعض مظانها ككتاب قديم ضاع، أو من بعض أهل البادية، وتلك كانت الحال في رواية أخبار الأمم القديمة والعرب قبل الإسلام. فكان النقد عندهم أو الجرح والتعديل كما يسمونه ذاتياً منصباً على الرواة، لا موضوعياً منصباً على المرويات. هذه الطريقة ضمنت لهم إلى حد بعيد صحة الأخبار المتصلة بالقسم التاريخي من السيرة وبحوادث الدولة الإسلامية، ولكنها عجزت عن أن تضمن لهم ذلك في أخبار القدماء والعرب قبل الإسلام والقسم الأول من السيرة. والحق أن هذه الموضوعات الأخيرة هي أضعف وأغمض نواحي كتب التاريخ عند العرب.
وإذا كان الإسناد عندهم أساس نقد الأخبار فقد كان أساس ضبطها هو التوقيت الدقيق بالسنين والشهور والأيام، وهو ضابط انفردوا به عن نظرائهم عند اليونان والرومان وأوروبا في العصور الوسطى قال المؤرخ الإنجليزي (بكل): إن التوقيت على هذا النحو لم يعرف في أوروبا قبل عام ١٥٩٧. على أن هذا النظام ابتدأ ضعيفا عندهم، فكثير من حوادث الفتوح الأولى قد وقع في توقيته خلط شديد واختلاف كثير. ثم تكمل التوقيت على مر الزمن بتعدد طرق الخبر الواحد وبالأخذ عن المصادر الرسمية التي سبقت الإشارة إليها.
وقد اتبعوا طريقة علماء الحديث كذلك في تدريس كتب التاريخ وتلقيها عن مؤلفيها بالسند المتصل قراءة وسماعا وإجازة؛ فكتاب الأصنام مثلا تتصل سلسلة روايته عن ابن الكلبي من عام ٢٠١ إلى قريب من عام ٥٠٠، ومثل ذلك يقال في مغازي الواقدي وكثير غيره من كتب التاريخ. وتلك مبالغة محمودة في المحافظة على النصوص التاريخية الهامة والكتب المعتبرة أمهات وأصولا.