التراجم والطبقات خاصة؛ من ذلك تاريخ فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم المتوفى عام ٢٥٧، وكتاب ولاة مصر وقضاتها للكندي المتوفى عام ٣٥٠ وتاريخ بغداد وأعلامها للخطيب البغدادي المتوفى عام ٤٦٣، وتاريخ دمشق وأعلامها لابن عساكر المتوفى عام ٥٧١، والبيان المغرب في إخبار المغرب لابن عذارى (القرن السابع)، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي (٦٢٦)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٦٨١هـ) وإلى جانب ذلك ظلت سلسلة التواريخ العامة مطردة من حيث انتهى الطبري، فوضع المسعودي المتوفى عام ٣٤٦ كتابيه مروج الذهب وأخبار الزمان، وصنف ابن مسكويه (٤٢١) تجارب الأمم، وابن الأثير (٦٣٠) كتابه الكامل
واستتبع التفرق السياسي وهن القوة الذاتية للعالم الإسلامي فطمع فيه أعداؤه من وراء الحدود واجترءوا عليه واستباحوا حماه، وبدت مقدمات ذلك في استئساد الروم وانتقاصهم شمالي الشام في القرن الرابع، ثم أغار الصليبيون في القرن الخامس والسادس على ملك المسلمين بالمغرب والمشرق، ولم تكد تلك الغمة تنجلي عن العالم الإسلامي حتى كانت الداهية الدهياء والطامة الكبرى وهي غارة المغول، فقضى على الخلافة العباسية ودمرت معالم الحضارة الإسلامية في القارة الأسيوية تدميرا
واتضحت عبر التاريخ وصروف الزمن بعد تلك الأحداث الجسام والخطوب العظام، فكان طبيعيا أن ينحو المؤرخ الإسلامي في التاريخ تلقاء ذلك كله منحى فلسفيا عميقا فيتعرف علل الحوادث وأسباب قيام الدول وأسباب سقوطها ومظاهر العمران وأصول الاجتماع ونحو ذلك. وهذا ما صنعه فيلسوف مؤرخي العرب قاطبة عبد الرحمن بن خلدون المتوفى عام ٨٠٨ في مقدمة تاريخه التي لم يكتب مثلها في الإسلام على الإطلاق. ثم لم يلبث علم التاريخ أن نظر إليه على أنه يمكن أن يكون هو نفسه محلا للتاريخ فوضع في ذلك الصفدي (٧٦٤) مقدمة كتابه الوافي بالوفيات، والسخاوي المتوفى عام ٩٠٢ كتابه (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ)
فيرى القارئ أنه فيما بين الرواية الشفوية القديمة وفلسفة التاريخ لابن خلدون وتاريخ التاريخ للسخاوي، قد نما التاريخ عند العرب وتفرع وأزهر وأثمر، فلما نضب معينه بانحلال الحياة الإسلامية العامة المستقرة جرى عليه ما يجري على الأحياء من حكم البلى