الذي ترجمه إلى العربية البلاذري المتوفى عام ٢٧٩، ومنه أيضاً ترجمة تاريخ هيروشيوس وإن كان ذلك قد تم بالأندلس حوالي منتصف القرن الرابع. ثم إن سهولة الانتقال بين أنحاء الدولة الإسلامية حملت كثيراً من طلاب العلم والمؤرخين خاصة على الرحلة في طلب الرواية وأخذها عن الشيوخ، ولرؤية عجائب البلاد ومشاهدة آثارها، فوجد بذلك مصدر هام للمادة التاريخية هو المشاهدة والمعاينة. وعلى الجملة فإن مؤرخي القرن الثالث حددوا بصفة عامة مصادر التاريخ عند العرب فكانت أربعة أشياء (١) كتب السيرة والأخبار (٢) السجلات الرسمية (٣) الكتب المنقولة عن اللغات الأجنبية (٤) المشاهدة والعيان
وبتعاظم المادة التاريخية وتحرر مصادرها بالقياس إلى ما كانت عليه الحال من قبل لم ير كثير من أفاضل العلماء وثقات الفقهاء باساً بالتوفر على دراسة التاريخ والتأليف فيه؛ ومن ثم أخذ التاريخ مظهره الرائع كعلم من أجل علوم المسلمين وأعظمها شأناً، وأخذ المؤرخون مكانتهم بين علماء الدولة الإسلامية كرجال لهم خطرهم في الحياة العامة سياسية كانت أو عقلية أو أدبية. وتضاءل مدلول لفظ الأخباري حتى أصبح كما فسره بعد السمعاني المتوفى عام ٥٦٢ بقوله:(ويقال لمن يروي الحكايات والقصص والنوادر الأخباري) نذكر من بين مؤرخي القرن الثالث ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف وقد توفي عام ٢٧٠، والبلاذري صاحب كتابي فتوح البلدان وأنساب الأشراف وتوفى عام ٢٧٩، واليعقوبي صاحب التاريخ المضاف إليه وتوفي عام ٢٨٤، والدينوري صاحب الأخبار الطوال والمتوفى عام ٢٩٠ وابن جرير الطبري صاحب تاريخ الرسل والملوك والمتوفى عام ٣١٠هـ
أخذت الوحدة السياسية التي انتظمت الدولة العباسية تتداعى من منتصف القرن الثالث، ولم تلبث تلك الدولة أن أصبحت مجموع دويلات عديدة يحكمها متغلبون مختلفو الأجناس في مشارق الدولة ومغاربها، وجرت اللامركزية السياسية إلى لا مركزية أدبية. فتوزعت الثقافة الإسلامية على الأمصار بعد أن كادت تكون مجموعة في حاضرة الخلافة وحدها. ونافست بغداد قرطبة والقيروان ومصر وحلب وأصفهان، وغزنة والري وبلخ وغيرها، وكثر العلماء في الأمصار كثرة عظيمة. كل ذلك أثر في كتاب التاريخ عند العرب تأثيراً كبيراً يتضح في كثرة ما ظهر ابتداء من منتصف القرن الثالث من التواريخ المحلية وكتب