التصوف الإسلامي في القرن الرابع وما بعده، ولم يأت القرن السادس والسابع حتى بلغ التصوف الفلسفي أقصى حده في النضوج ثم ضعف شأنه بعد ذلك تدريجياً
أما الزهد فقد ظهر في الإسلام قويا فتيا بمجرد ظهور الإسلام تقريبا؛ ذلك أن الإسلام دين ورحمة وزهد وتقوى؛ وليس دين دنيا وشهوات ولذات كما يصفه بذلك أعداؤه الذين يحاولون تعليل نشأة الزهد في الإسلام بأنها راجعة إلى عوامل كلها خارجة عن الإسلام، ويخصون بالذكر من بين هذه العوامل المسيحية والرهبنة المسيحية التي كانت منتشرة في صحراء العرب وبلاد الشام ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية
نعم لم يدع الإسلام إلى الرهبنة، بل هو صريح في إنكارها في القرآن والحديث، ولكنه دعا إلى العبادة والورع والتقوى والتهجد وقيام الليل والصوم والصلاة
نعم لم يذكر القرآن كلمة زهد ولا مادة الزهد إلا في آية واحدة في سورة يوسف في قوله تعالى (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) ولم يذكرها هنا على سبيل المدح ولا بالمعنى الذي نتكلم عنه، ولكنه وإن لم يذكر (الزاهد) فقد ذكر العابدين والسائحين والقانتين والمخبتين والركع السجود، وكل هذه من صفات الزاهدين
وإذا كان الزهد طريقة للتقرب إلى الله ومناجاته وذكره فقد وصف القرآن الله بأنه رحيم، وبأنه ودود، وبأنه قريب من عبده، بل إنه أقرب إليه من حبل الوريد، وبأنه سميع مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه
فلا حجة للقائلين بان فكرة الحب الإلهي قد دخلت إلى الزهد الإسلامي عن طريق المسيحية لأن الإسلام قد قضى على كل أمل في الاتصال الروحي بين العبد وربه يوصفه الله بأنه جبار متكبر منتقم الخ
ظهر الزهد في الإسلام إذن داعيا إليه الإسلام كما قلنا وداعيا إليه ظروف أخرى هي الظروف السياسية القاسية التي عاش فيها المسلمون في عهد الخلفاء وعهد بني أمية - فقد كان هذا العصر عصر حروب وفتن مستمرة وقلاقل واضطرابات - وفيه دخلت النظريات السياسية إلى العقائد الدينية، وتدخل الحكام في آراء الناس الدينية ومعتقداتهم، فاضطهدت الحرية وكبت التفكير الحر: فشعر من لم يميلوا إلى اعتزال الناس بضرورة العزلة وزهدوا في الدنيا وزخرفها وفي الحكومة والحكام