للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفلسفي وأساليب الفلاسفة واصطلاحاتهم واستدلالاتهم، ثم نظروا إلى التصوف باعتباره مرحلة متممة لمذهبهم، كما نظر الصوفية إلى الزهد باعتباره مرحلة متممة لطريقتهم

والفرق بين هذا النوع من الصوفية والنوع الأول أن الأولين أمثال الحلاج يضعون نظرياتهم الفلسفية في عرض تأويلهم وتفسيرهم لما يشاهدونه في أحوالهم ومواجدهم؛ أما الآخرون فيلجئون للكشف والذوق توكيدا وتحقيقا للنتائج التي يصلون إليها بالنظر العقلي

وهذه الطريقة ممثلة تمام التمثيل في كتب ابن العربي بوجه خاص، فإنه بعد أن يبحث المسائل الفلسفية بحثاً عميقا ويناقشها من جميع وجوهها يحس كأن العقل غير كاف في الوصول إلى درجة اليقين فيها، فيحيل القارئ إلى الكشف والذوق، أو يخبره بأنه هو نفسه قد أدرك حقيقتها كشفا أو ذوقا

صار التصوف الفلسفي بعد ذلك سيراً حثيثا بخطوات واسعة فسيحة وظهرت فيه المذاهب الفلسفية الكاملة، بل والمدارس الفلسفية، وألفت فيه المؤلفات أمثال الأحياء والمشكاة للغزالي والنصوص والفتوحات لابن العربي وحكمة الإشراق للسهروردي والإنسان الكامل لعبد الكريم الجبلي

أما العوامل التي ساعدت على ظهور التصوف الفلسفي فكثيرة متعددة، فقد كانت البيئة التي يعيش فيها متصوفة القرن الثالث وما بعده مزيجا غريبا من الأمم المختلفة والثقافات المختلفة والديانات المختلفة والفلسفات المختلفة، بل كان الجو الذي يتنفس فيه المسلمون خليطا من هذه العناصر كلها: فلا عجب إذن أن يأتي التصوف الفلسفي في الإسلام ممثل لكل مذهب من المذاهب، حاويا لكل بدعة إسلامية وغير إسلامية، فإن فلسفة التصوف الإسلامي ليست مذهبا واحداً ولا عقيدة واحدة، بل مجموعة من المذاهب بعضها يتفق مع روح الإسلام وبعضها يتعارض مع التعاليم الإسلامية معارضة صريحة

واهم هذه العناصر التي دخلت في التصوف الفلسفي ومنها تركب هي:

أولا - التصوف نفسه بكل ما فيه من وصف للحياة الروحية، وكلام في المقامات والأحوال، وذكر للمواجد والأذواق، وتعبيرات عن خاطر النفس ومحاسبتها ومراقبتها

ثانيا - القرآن والحديث: فإن الصوفية قد اتخذوا كثيراً من الآيات القرآنية أساسا لنظرياتهم فأولوها تأويلات تتفق وروح هذه النظريات، وذلك مثل قوله تعالى: كل شيء هالك إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>