للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهكذا بدءوا بقولهم: لا إله إلا الله، وانتهوا بقولهم: لا موجود على الحقيقة إلا الله. ثم وجدوا - أو خيل إليهم أنهم وجدوا - ما يعزز دعواهم هذه في الحالة الصوفية التي يعبرون عنها بالفناء وهي الحالة التي يشعر فيها الصوفي بالوحدة المطلقة فلا يدرك فيها فرقا بين حق وخلق - وهي الحالة التي صاح فيها الحلاج بقوله: أنا الحق!

وقد سمى الصوفية عقيدة التوحيد بتوحيد العوام، وعقيدة وحدة الوحدة بتوحيد الخواص، وأوردوا لكل منهما تعريفا خاصا

يقول الجنيد في تعريف توحيد العوام إنه إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته. ويقول في تعريف الخواص إنه الخروج من ضيق الرسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية يعني بذلك الفناء

رابعا - الفلسفة الأفلاطونية الجديدة - لاسيما الأفلاطونية الجديدة المتأخرة التي ظهرت في كتابات برفلس ويبميليخوس والكاتب الأفلاطوني المسمى خطأ ديو تسبوس الازيوباغني.

ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا تكاد مسألة من مسائل التصوف الإسلامي الفلسفي أو نظرية من نظرياته تخلو من أثر للفلسفة الأفلاطونية الجديدة: فنظريات الصوفية في خلق العالم والفيض أو الصدور عن الواحد الحق، وكلامهم في النفس والعقل والقلب والكشف والمعرفة والشهود، وفي العالم العلوي والعالم المحسوس وفي الإنسان الكامل، كلها مطبوعة بطابع هذه الفلسفة ومستند إليها

خامسا - المسيحية ولا نعني بالمسيحية الديانة المسيحية وعقائدها، بل الحياة المسيحية كما حييها المسيحيون في البلاد التي انتشر فيها الإسلام ممثلة في حياة الرهبان والمتصوفين؛ ولم يأخذ الصوفية عن المسيحيين بعض أساليبهم في الزهد ومظاهر التقشف ولباس الصوف الذي منه اشتق اسمهم فحسب، بل أخذوا عنه بعض نظرياتهم في طبيعة المسيح وفي التثليث: فقال بعضهم بالحلول، مثل الحسين بن منصور الحلاج الذي قتل بسبب هذه العقيدة سنة ٣٠٩. ومن أبياته في الحلول قوله:

سبحان من أظهر ناسوته ... سرَّ سناً لاهوته الثاقب

ثم بدا لخلقه ظاهراً ... في صورة الأكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة الحاجب بالحاجب

وقال بعضهم صراحة بالتثليث، وأن التثليث أساس يقوم عليه أمر الخلق كله، ولكنه تثليث

<<  <  ج:
ص:  >  >>