اعتباري قائم بالفردية الإلهية. وبهذا المعنى يجهر ابن عربي في غير مبالاة في قوله:
تثلَّثَ محبوبي وقد كان واحداً ... كما صير الأقنام بالذات أقنما
وليست نظرية الصوفية فيما يسمونه النور المحمدي (أو الحقيقة المحمدية) الذي يقولون إنه كان في القدم قبل أن يخلق الله العالم، وأنه بواسطته ومن أجله خلق الله العالم، سوى صورة من صور النظرية المسيحية في المسيح الذي يطلقون عليه اسم (الكلمة) ويقولون أنها كانت في الأزل مع الله، وأنه بواسطتها ومن أجلها خلق الله العالم
سادسا - الفلسفة الهندية التي دخلت الإسلام عن طريق فارس وما وراء النهرين وما جاورهما من حدود الهند، فإن المسلمين لم يفتحوا الهند إلا في القرن الرابع الهجري (في زمن السلطان محمود الغزنوي المتوفى سنة ٤٢١)، ولكن الفلسفة الهندية البوذية والتصوف الهندي قد شقا طريقهما إلى بلاد الفرس وما جاورها بل الفتح الإسلامي بنحو ألف سنة، وقد كان كثير من بلاد هذه الناحية مراكز مشهورة بالتصوف غاصة بالإدارة الوثنية القديمة: نخص بالذكر منها مدينة بلخ
ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن كثيرا من أوائل الصوفية في الإسلام قد جاءوا من بلخ هذه وما جاورها، وبواسطتهم دخل في التصوف الإسلامي كثير من النظريات الهندية والتقاليد البوذية في مجاهدة النفس ورياضتها وتعذيب البدن وما إلى ذلك. من هؤلاء إبراهيم بن أدهم الذي يقول عنه الأستاذ جولدزيهر إن قصته قد حيكت على مثال قصة بوذا من أنه كان من بيت من بيوت الملك فزهد في الملك والدنيا بأسرها وعاش من عمل يده؛ ومثل أبي يزيد البسطامي الذي كان من أصل فارسي زرادشتي تلقى عقيدة الفناء عن أبي علي السندي، كما تلقى عنه الطريقة الهندية المعروفة بمراقبة الأنفاس؟ والفناء الذي يتكلم عنه أبو يزيد والذي شاع بعده في كلام الصوفية جميعهم هو ما يسميه الهنود (زفانا) أي انمحاء الشخصية الفردية والشعور بالوحدة العامة للوجود. ومما يدل على أن عقيدة الفناء هندية الأصل أنها ظهر أول ما ظهرت في كلام الصوفية من الفرس أمثال أبي يزيد البسطامي، وليس لها وجود في عبارات أهل مصر والشام أمثال ذي النون المصري مع أن ذا النون كان من معاصري أبي يزيد
كل هذه العناصر وعناصر أخرى ثانوية الأهمية دخلت التصوف الإسلامي فغيرت من