عادته وصورته، وعنها جميعها ظهرت ناحية من نواحي الحياة العقلية الروحية في الإسلام على جانب كبير من الأهمية، لأنها مرآة نرى فيها النشاط العقلي والروحي على السواء، كما نرى فيها وصفا دقيقا لأحوال النفس الصوفية في أرقى درجات صفاتها، ومحاولات فلسفية أراد بها أصحابها وضع نظريات في طبيعة الوجود أو طبيعة المعرفة أو طبيعة الإنسان ومركزه من الله والعالم
ولم يقف الصوفية، كما لم يقف فلاسفة الإسلام من هذه المصادر كلها موقف سلبيا، أي لم يكونوا مجرد نقلة أو مرددين لأقوال غيرهم ترديد الصدى للصوت، بل مزجوا كل هذه العناصر المختلفة المتباينة مزجا ربما لم يعهده تاريخ الفلسفة ولا تاريخ التصوف في أي أمة أخرى، وخرجوا بعد كل ذلك بمذاهب في التصوف الفلسفي كان لها أثرها ولها خطرها في تطور الفلسفة والتصوف في القرون الوسطى والحديثة، لاسيما بعد أن بلغ التصوف الذروة الفلسفية في مذاهب أمثال محي الدين بن عربي، وشهاب الدين عمر السهروردي المقتول، وعبد الحق بن سبعين الأندلسي، وعبد الكريم الجيلي، والصدر القونوي، وجلال الدين الرومي، وعبد الرحمن جامي وغيرهم
من هذا يتبين أن كل نظرية في نشأة التصوف الإسلامي قائمة على فكرة إرجاعه إلى أصل واحد مقضي عليها بالفشل. إذ قد رأيت النواحي العديدة الإسلامية وغير الإسلامية التي استمد منها التصوف مادته.
ولكن بعض المستشرقين إن لم يكن أكثرهم لم يروا حرجا في القول بأن التصوف الإسلامي قائم على أصل واحد أو مستمد من جهة واحد: فذهب الأستاذ فون كريمر ودُوزي إلى أن أصل التصوف الإسلامي هندي أساسه مذهب الغيدانتا؛ وذهب الأستاذ (مركس) إلى أن أصله الفلسفة الأفلاطونية الجديدة؛ وقال الأستاذ برون إنه فارسي في جوهره وإنه نتيجة لرد فعل أحدثه ثوران العقل الآدمي ضد الدين الإسلامي الفاتح. وربما كان الأستاذ نيكلسون أكثر اعتدالا وأوسع نظرا من هؤلاء جميعاً، إذ يعترف أن التصوف الإسلامي ظاهرة معقدة غاية في التعقيد، وأن أصوله متشبعة كثيرة لم يكشف البحث الحديث إلا عن بعضها فقط
والحق أن كل نظرية من هذه النظريات إنما تعبر عن جزء من الحقيقة لا الحقيقة برمتها، وأن الذي دعا هؤلاء المستشرقين إليها قصرهم النظر على ناحية خاصة من التصوف دون