وقالوا إن الذي وضع على الرسول كثير، فلعل هذا من المكذوب الموضوع. فإذا قلت إنه قطعا ليس من الموضوع لأنه وارد في الصحاح، قالوا إن الحديث الصحيح لا يمكن الجزم بأنه ثابت قطعا عن الرسول، فإن ما ثبت قطعاً عن الرسول هو المتواتر وهذا محدود معدود
ويحاولون أن يشككوك في الحديث جملة باستغلال أمانة علماء الحديث ومبالغتهم في التدقيق عند تمييز درجات الحديث، إذ جعلوا الاحتمال العقلي البعيد للسهو أو النسيان أو الخطأ فارقا بين الصحيح وبين ما لا يمكن أن يتطرق إليه إلا ذلك الاحتمال وهو المتواتر مع أن حديث الرسول قد محص بما لم يمحص به حديث أو رأي أو فعل صدر عن بشر كائنا من كان، وأن هذا الحديث الصحيح قد صح عن الرسول بالسند الممحص المنقود فاختبر عن طريق تمحيص السند من بين مئات الآلاف من الأحاديث فلم يتجاوز عدده بضعة الآلاف، منها كثير مشترك. والمبالغة في التدقيق فقط هي التي تجيز عقلا من بعيد ألا يكون مثل هذا الحديث مقطوعا بصدوره عن الرسول برغم ذلك التمحيص الدقيق. ولو كان مثل هذا الاحتمال مسقطا للحديث لسقط التاريخ كله ولكان من العبث الاعتماد على تاريخ، أو كان هذا الاحتمال يجيز إهمال الحديث فلا يعمل به لجاز إهمال كل ما هو في مرتبة دون مرتبة اليقين في العلم وفي الفلسفة، مع أن العلم يتمسك بالنظرية الراجحة حتى يثبت بطلانها؛ وأولئك المشككون أنفسهم يستندون في تدعيم آرائهم إلى آراء ونظريات هي من ناحية الثبوت في العلم أو الفلسفة دون مرتبة الحديث الصحيح بكثير من ناحية الثبوت في الدين. على أن الإجماع منعقد بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم بوجوب الأخذ في الأحكام بالحديث الصحيح، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأخذون في أحكامهم بالحديث يثبت عن الرسول عن طريق فرد ذكر أو أنثى، وكانوا يرجعون عما عساهم يكونوا ارتأوه أو حكموا به مما يخالف ذلك الحديث كما ترى توجيه ذلك مفصلا في الرسالة التي كتبها الإمام الشافعي مقدمة للأم في الأصول
ويلتحق بهذا النوع من كيد أولئك المشككة المعطلة ما يحاولونه من تعطيل القرآن وإبطال مفعوله عند المسلم بالتوسع في تأويله وصرف الآي عن وجهه وتخصيص عمومه وتخريجه على نحو يوافق ما يريدون ويعتقدون من آراء الغرب ونظرياته. ولقد لطفت