فناً غايته التعبير الجميل عن شعور الإنسان بالحياة، وعلى قدر تحرر كل منهما من العلاقة بالكهان وبالحكام، وتخلصه من الغرض المادي يكون رقيه الفني وصدقه في أداء رسالة الحياة.
فبانتشار الحضارة والثقافة يرتقي الشعر عما كان عليه في عهد البداوة، ويظهر بجانبه النثر فناً ثانياً مترجماً بالألفاظ عن شعور الإنسان وتفكيره، منافساً له في كثير من مواضعه ومعانيه. فيتقاسمان النهوض بمهمة الأدب، ويظهر من الأدباء من يجمعون بين الفنين، يبرزون في كليهما أو يشتهرون بأحدهما فوق اشتهارهم بالثاني. ويشارك النثر الفني الشعر في كثير من خصائصه، أي خصائص الفنون جميعاً، كالموسيقية، والخيال، والتقابل، والتماثل، والتجاوب؛ بيد أنه وإن تشارك الفنان في شتى الخصائص والموضوعات، فما يزالان متميزين في خصائص، مستقلا كل منهما دون الآخر بموضوعات هي به أشبه وهو على تأديتها أقدر. فللشعر قصب السبق فيما هو أدخل في باب الخيال والعاطفة والشمول والغموض أحياناً، وللنثر ما هو أقرب إلى التفكير والمنطق والدقة والترتيب والاستقصاء، ومن ثم يلجأ الشاعر الناثر إلى الشعر طوراً وإلى النثر تارة
فالشعر والنثر كلاهما قادران على تأديته أغراض الوصف والحكمة والعتاب والاعتذار والفكاهة؛ وربما رق النثر في كل ذلك وتشبع بالخيال حتى صار أشبه بالشعر، لا يميزه عنه سوى انعدام الوزن وإن ساواه في الموسيقية؛ أما الحماسة والنسيب مثلا فالشعر أمهد لهما سبلا وأرحب مجالا، إلا أن يجيء النثر الحماسي خطابة فيكون له من رهبة الموقف وتعبير سيماء الخطيب وهيبة محضره عوض عما يمتاز به الشعر من خيال وروعة واستجاشة للعواطف، ومن ثم كانت الخطابة من أشبه فنون النثر بالشعر؛ وأما في سرد الوقائع التاريخية أو القصص الفردية، أو تقرير الحقائق العلمية والأدبية، فالنثر أرحب بكل ذلك صدراً وأطول باعاً. ومن ثم كان نقد الشعر والأدب عامة وتسديد خطى الأدباء وإظهار محاسن الشعراء من أهم وظائف النثر التي يضطلع بها إذا ما توطد وساير الشعر جنباً لجنب
وقصارى القول أن موضوعات الشعر والنثر يتباعد طرفاها، ويلتقي الطرفان الآخران حتى يختلطا؛ وإن الروح الشعري قد يكون في النثر الجيد كما قد ينعدم من النظم الرديء؛