المحققين من جهابذة الغرب إلى هدم التخرصات المنسوبة إلى محمد في العالم المسيحي، وكتبوا سيرته الشريفة بروح عالية توفر لها التجرد عن الهوى والاستغراق في الموضوع فانجلى لكل ذي عينين محمد رجل الدين، الثابت اليقين في الله الواحد الأحد، وعرفوا فيه رسولا من رسل العناية لنشر التوحيد من أقاصي الهند إلى ربوع الأندلس. واطلع شاعرنا جوته وقتئذ على سيرة محمد، وحيا فيه النبي العظيم والروح القوي الأمين، حاطم الأصنام الداعي إلى دين الفطرة
وقرأ جوته القرآن وطبع مختارات منه مأخوذة عن الترجمة الألمانية. وظل طويلا يمعن في درسه إمعان الباحثين. وهو يشير إلى أن القارئ الأجنبي قد لا يحبه لأول قراءته، ولكنه يعود فينجذب إليه، وفي النهاية يروعه ويلزمه الإكبار والتعظم
ويستشهد جوته بآيات الكتاب العزيز في بيان تعاليم الدين (ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. إن الذين كفروا سواء عليم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولهم عذاب عظيم)
ويقول جوته إن القرآن يردد هذه التعاليم ويكرر البشير والنذير سورة بعد سورة. ولا يرى جوته في هذا الترديد والتكرار ما يراه النقاد الغربيون. لأن النبي لم يرسل للناس برسالة شاعر للتفنن والتنويع في ضروب الكلام، وعرض الصور المزوقة من الأخيلة والأوهام، لاستحداث اللذة وإدخال الطرب على الأسماع والأذهان. بل هو بنص القرآن بعيد عن هذا الوصف. وإنما هو نبي مرسل لغرض مقدر مرسوم يتوخى إليه أبسط وسيلة وأقوم طريق، وهذا الغرض هو إعلان الشريعة وجمع الأمم حولها وانضواؤهم إلى لوائها. فالكتاب العزيز أنزل ليقتضي الناس الخبوت والإيمان، لا لمجرد المتعة والاستحسان، وإذا ما عرض للقصص فليس المقصد الأول هو التاريخ والأخبار، وإنما ضرب الأمثال للموعظة والاعتبار
وقد أراد جوته تأليف قصة تمثيلية عن محمد، وشرع فيها من أيام شبيبته فنظم منها مناجاة للنبي وهو بالليل وحده في الخلاء تحت السماء الساجية السافرة النجوم. وقد اقتبس فيها