للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذكره في رسالته التي رسمها (بدعوة الأطباء). ففي هذا الكتاب يحمل ابن بطلان على الفشارين المدعين بالطب، ويظهر فسادهم ومضارهم الشائعة ذاك الحين.

يغلب على الظن أن ابن بطلان لم يكن شابا عندما ترك بلدته التي حرمت عليه العودة إليها في مستهل شهر رمضان سنة ٤٤٠ متجهاً إلى رحلة طويلة ماراً بالأنبار فالرحبة فالرصافة فحلب حيث مكث زماناً، ثم واصل السفر إلى إنطاكية فاللاذقية فيافا حتى جاء مصر حيث مكث ثلاثة أعوام تعرف فيها بابن رضوان. ثم غادر مصر بعدئذ إلى القسطنطينية ثم عاد منها في آخر الأمر إلى إنطاكية. قال ابن القفطي: (فأقام بها وقد سئم كثرة الأسفار، وضاق عطنه عن معاشرة الأغمار، فغلب على خاطره والانقطاع فنزل بعض أديرة إنطاكية وترهب وانقطع إلى العبادة إلى أن توفى بها). وكانت وفاته - خلافاً لما زعم ابن القفطي - بعد سنة ٤٥٥ بزمان لأنه قد أهل لبناء بيمارستان إنطاكية في السنة المذكورة. وعندما كان في مصر أرسل ابن بطلان إلى المؤرخ الكاتب البغدادي هلال بن المحسن الصابئ كتاباً مفصلا عن رحلته، دل على دقة ملاحظته وعنايته بكل ما رآه، كما أنه لا يزال هذا الكتاب مرجعاً جغرافياً تاريخياً مفيداً للنواحي التي زارها ابن بطلان، فلذلك أورد ياقوت الحموي في كتابه المسمى بمعجم البلدان كثيراً من كلام ابن بطلان. ودليل على كل هذا نذكر شيئاً من وصفه لمدينة اللاذقية. قال: (وهي مدينة يونانية لها ميناء وملعب وميدان للخيل مدور، وبها بيت كان للأصنام وهو اليوم كنيسة، وكان في أول الإسلام مسجدا، وهي راكبة البحر وفيها قاض للمسلمين وجامع يصلون فيه وآذان في أوقات الصلوات الخمس، وعادة الروم إذا سمعوا الآذان أن يضربوا الناقوس، وقاضي المسلمين الذي بها من قبل الروم)

أما ما ذكره من أخبار الروم والمسلمين فهو إيضاح للحالة كما كانت. فهي دورة الانحلال والضعف السياسي للدولة الإسلامية، قد أصبحت البلاد التي كانت تتبع خلافة بغداد مستقلة، وقامت خلافة الفاطميين بمصر، أضف إلى هذا تفشي الوباء والمجاعات بأقطار عديدة وموت كثيرين من رجال العلم أحس الباقون منهم بفقدانهم وبالخلوة من بعدهم. وإنه لمما يسر أن نلاحظ أن تلك البلايا كلها لم تستطع أن تقطع النهوض العلمي العظيم ولا اتصال العلماء بعضهم ببعض برحلات علمية وراء كل الحدود السياسية ولا ارتباطهم بروابط

<<  <  ج:
ص:  >  >>