إن استيطان اليابسة أدى أيضاً إلى تكيف الحركة الانتقالية في الحيوان على النحو الذي نراه الآن. فصار الحيوان يدفع جسمه إلى الأمام مستنداً إلى الأرض، وتكونت في جسمه سلسلة من العتلات (الروافع) وهكذا تصلبت أجسام معظم الحيوانات البرية وأصبحت تستند إلى الأرض بمنتهيات صغيرة نسبياً (هي الأنامل) حتى لا تدع مجالا لانبطاح الجسم أو تدليه إلى الأرض، فحيوان كقنديل البحر - مثلاً يعيش في المياه ويستطيع أن ينتقل فيها بسهولة، ولكن يتعذر عليه أن يعيش في اليابسة لان تركيب جسمه لا يساعده على الحركة الانتقالية في البر. وربما تبادر إلى الذهن أن بعض الحيوانات البرية تشذ عن التكيف الذي تستلزمه حياة اليابسة - كديدان الأرض وأم الأربع والأربعين والأفاعي. إن شرح الحركة الانتقالية في هذه الحيوانات ليس بالأمر الصعب، فدودة الأرض تحفر طريقها في التربة كما يفعل اللولب، وجسم أم الأربع والأربعين يحمل على عدة أرجل قوية، كما أن الحية تدفع نفسها إلى الأمام بواسطة حراشف بطنية واسعة متصلة بمنتهيات عظمية متشعبة في العمود الفقري.
الضرورة حب الاستطلاع
ويهمنا أن نبحث الآن في مجازفات الحياة على اليابسة، لان ذلك يمكننا من فهم الدواعي التي حملت عددا عظيماً من الحيوانات البرية على حفر أوكارها في التراب، وعددا آخر منها على تسلق الأشجار، ولماذا رجع بعضها إلى الحياة المائية ولجأ البعض الآخر إلى الهواء، وربما تبادر إلى أذهاننا أن نتساءل لماذا استعمرت اليابسة رغما عما في ذلك من مجازفات ومخاطر عظيمة؟ الجواب على ذلك:(أن الضرورة وحب الاستطلاع هما أبوا الاختراع!) فقد تكون الدواعي التي حملت بعض الحيوانات على ترك الحياة المائية هي من قبيل جفاف الغدران أو ازدحامها بعدد لا تستوعبه من الحيوانات، أو الهرب من الأعداء الكامنة لها بالمرصاد، ولكن يجب ألا نتغاضى أيضاً عن غريزة حب الاستطلاع التي كانت ولم تزل عاملا مهما من عوامل التقدم.
(٦) غزو الهواء
وأخيراً لجأت الحيوانات إلى الهواء فنجحت في غزوه الحشرات والعضايا المجنحة القديمة