والطيور والوطاويط وأخفقت غيرها في تلك المحاولة كما نرى ذلك جلياً في الأسماك الطائرة التي تقفز في المياه إلى علو بضع ياردات، تساعد على ذلك زعانف كبيرة تنشرها عند القفز، وهذا ما نجده أيضاً في الضفادع الطائرة التي تطير من غصن إلى آخر. وهناك كثير من أمثال هذه الحيوانات التي يستدل منها على محاولة الحيوان في الماضي التغلب على الهواء ذلك الأمر الذي أدركه الإنسان عن بعد بطريقة أوجدها من عنده.
لاشك أن المقدرة على الطيران لها مزايا وفوائد عديدة، فالطير الذي يعتاش على ما في الأرض يستطيع أن يهرب من الكواسر الداهمة بارتفاعه السريع في الهواء، وفي وسعه أن يتتبع الأماكن التي يكثر فيها الطعام والماء مهما كانت بعيدة، وفي إمكانه أن يضع بيضه في مواقع أمينة لا تصل إليها أيدي الأعداء. وقد استطاعت بهجراتها أن تتغلب على الزمان والمكان فكثير منها لا يعرف شتاء طول حياته.
نظام الطبيعة المتطور
وللتطور صفحة واضحة أخرى وهي ميله لربط الأحياء بعلاقات حيوية مهمة، فالزهور مرتبطة بضيوفها من الحشرات ارتباطاً حيوياً وثيقاً فيه منفعة مشتركة للفريقين. وهناك طيور تعتاش على ثمر العليق فتنشر البذور. وهكذا يحافظ على نسل النيتة، ونعلم أيضاً أن الحلزون المائي النحيف يكون مأوى لدودة الكبد (التي توجد في الأغنام) في أدوار حداثتها، وأن البعوض يحمل جرثومة الملاريا وينقلها من شخص إلى آخر بواسطة اللسع.
ونستطيع أن نجد علائم التعاون ظاهرة بين بعض الحيوانات المتشابهة فتكون مستعمرات أو طوائف أو متجمعات كما هو بارز في النحل والنمل واللبائن، وفي كل ذلك مصلحة مشتركة للأفراد المتعاونة.
على أن هناك علاقات تكون فيها المصلحة لجهة واحدة كما هي الحالة في الحشرات التي تفسد العمليات التناسلية لبعض النباتات التي تحط عليها، وزيادة على ذلك أن الحلقات الغذائية تربط مجموعة من الحيوانات كما هي الحالة في سمك القد الذي يعيش على القوقع والقوقع على الدودة والدودة على البقايا العضوية في البحر.