للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيك أو لك يتغير فكيف بالله يكون هذا الاستقرار؟ وأين السبيل إليه؟)

قال: (إنما اعني الراحة النسبية والاستقرار بالقياس إلى حياة العزوبة والوحدة)

قلت: (ولا هذه أيضاً. إن الزواج ليس أداة لراحة ولا وسيلة لاستقرار أو غير ذلك مما تتوهم، وإنما هو نظام. فإذا كان يوافقك أن تحيا في ظل هذا النظام فتفضل وأهلا بك وسهلا؛ ولكن يجب حينئذ أن تعرف إن له مقتضيات، وان توطن نفسك على الإذعان لها واحتمالها، كما يخضع الجند للنظام العسكري، ولم يقل أحد إن الجندية سبيل لراحة أو استقرار أو لذة، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى. وإنما هي نظام تقتضيه حياة الجماعة. وكل جندي يقول لنا أنه نظام شاق عسير ثقيل الوطاة، ولكنه لازم ولا بد منه. والفرق بين الزواج والجندي إن الجندي يعلم أنه داخل في نظام لا لذة فيه ولا متعة له منه وانه سيلقى عناء ويكابد متاعب، وانه معرض للجلد والسجن، بل للموت حتى من غير حرب. ولكن طالب الزواج يمنى نفسه الأماني المستحيلة فيلقى خلاف ما كان يقدر، ولو أنه وطن نفسه - كما يفعل الجندي - على التعب والنصب ووجع القلب ومعاناة المنغصات إلى آخر ذلك لسعد بالزواج، ولفاز منه بلذات كثيرة ونعم جزيلة ومتع يضن بها على النسيان. وقد ذكرت الجندية على سبيل التمثيل، ولكن للجندية علاقة وثيقة بالزواج، لأن الزواج غايته تنظيم أمور النسل اللازم للجماعة، أي مد الجماعة بالعدد الكافي من الأفراد للقيام بأعباء حياتها، فهو نظام تمهيدي للجندية. وأنا استعمل الجندية هنا بالمعنى الأعم الأشمل، واعني كل فرد لا الذين يحملون السلاح ويسيرون إلى القتال حين يدعون إلى ذلك - لا اعني هؤلاء وحدهم، فان كل فرد جندي للجماعة وان لم يحمل سيفا ولم يتقلد رمحاً، إذا كان قد بقى في عصرنا هذا من يتقلد رماحاً. والواجب على كل حال أن يدرك المرء أنه بالزواج يكون كالذي يعمل في شركة؛ وللعمل نظامه. والعمل لا تطلب منه اللذة بل الثمرة؛ والعمل لا يفيد الراحة بل التعب؛ ولا آخر للتعب ما دامت الشركة قائمة تعمل وتؤدي ما هو منتظر منها. نعم يستطيع المرء أن يفوز بإجازة، ولكن هذا ميسور في نظام الزواج: خذ إجازة كلما شعرت إنك تعبت، وامنح زوجتك مثل ذلك كلما بدا لك أن أعصابها كلت)

فعجب وسألني: (كيف ذلك. .؟ أن هذا مزاح)

<<  <  ج:
ص:  >  >>