للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنهج الجاحظ في ذلك مبني على العيان والخبر، ولكنه ينقد ما وصل إليه من الأخبار ويرده إلى اليقين العقلي كما انتقد الخطبة المنسوبة لمعاوية.

وأتى بعد ذلك على منهجه النظري فقال: انه كان يحترم العقل ولكنه مع ذلك لا يرى انه يكفي لسعادة الناس في دينهم ودنياهم؛ ثم هو يحترم أشياء قد جاءت على غير النهج العقلي وإنما هي نظرية سماعية كخلق عيسى وحواء وغير ذلك. وكان يرى أن الشرع إنما جاء حاداً للعقل وكان الجاحظ يشك فلسفياً ولكنه شك المتكلم يكتفي بالظواهر والمظاهر لأنه يعتد بعقله ويحترمه.

قال: وكان الجاحظ يأخذ بالمنهج التجريبي ولكن منهجه في ذلك كان ناقصاً؛ ثم عرض لنظريته في المشابهة بين الإنسان والقرد، وقارن ذلك بنظرية (دارون) ليظهر الفرق بين التجربة الناقصة والتجربة الكاملة الممحصة وضاق الوقت عن أن يتكلم الأستاذ في منهج الجاحظ الفني فاعتذر وقد ختم كلامه بقوله: إن منهجنا في تكريم الجاحظ منهج ناقص، لأن آثار الرجل لم تصلنا كاملة، فلعلنا نعمل على إخراج آثاره للناس فبذلك نكون قد كرمنا الجاحظ حقا وذكرناه وانتفعنا به

وقام من بعده الأستاذ حمودة فقال: إن أسلوب الجاحظ مرآة نفسه وحسه، وصورة عقله ومزاجه، وقد عرف الجاحظ في أسلوبه بخصائص لم يسبق إليها، منها: مزج الفكاهة بالجد، والبرهان المقنع بالتهكم الموجع، وسبب ذلك دمامة شكله، فإن أهل الدمامة قوم تشيع فيهم الدعابة؛ واستدل على ذلك بما كان من حافظ وأمام العبد ونظير واضطرابهم. ثم تتطرق إلى دعابة الجاحظ في شيء من البسط والإفاضة ثم قال: وكان الجاحظ يتخذ التهكم أسلوبا من أساليب النقد والإقناع، ورسالة التربيع والتدوير نمط من ذلك، وبعد أن قرأ الأستاذ فقرات من هذه الرسالة قال: وكثير من المتأدبين يحسبون أن ابن زيدون هو أول من اتخذ الأسلوب التهكمي في رسالته الهزلية إلى ابن عبدوس، وإنما هو تلميذ الجاحظ في ذلك على إن فنه أشبه بالهجاء وابعد من التهكم والسخر

ثم وازن بين الجاحظ وبين ابن المقفع فقال: إن ابن المقفع حكيم يستمد حكمته من نفسه؛ فتجربة الدنيا هي التي كانت تملى عليه ما يكتب، ولكن الجاحظ كان ينهج نهج من درس خطابة أرسطو فتأثر بها إلى حد بعيد، ومن المشابهة بينه وبين أصحاب الخطابة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>