الأسلوب استعماله القياس المضمر وهو ما عرف عند البديعين بالمذهب الكلامي؛ وقد كان الجاحظ أول من قال بهذا المذهب واستخدمه وأنكر وجوده في القُرآن وتابعه ابن المعتز ورد عليه ابن أبي الإصبع. . . . قال وإنما أخذ الجاحظ ذلك من كتاب الخطابة لأرسطو. وهناك دلالة قوية تدل على أن الجاحظ قد انتفع بكتاب الخطابة، ولكن هناك يعترضنا سؤال وهو أن الجاحظ قد أنكر أن لليونانيين خطابة، والجواب: أن الجاحظ حينما قال ذلك قاله وهو يرد على الشعوبية الذين كانوا يقولون إن الخطابة عند كل الأمم تنقصا للعرب، فموقف الرد هو الذي ألجأه إلى ذلك الإنكار والجواب الثاني انه لم يطلع على نصوص خطابية لليونانيين والثالث التراجم والمترجمين وانتقد على الخصوص، كتاب المنطق بأنه قرأه في أسلوب سقيم مترجم!!
فالجاحظ لا شك قد تأثر بكتاب الخطابة لأرسطو كثيراً ومنطقه، ليس كتاب البيان والتبيين إلا صدى لذلك الكتاب. وكان الجاحظ على طريقة أهل الخطابة يستخدم التمثيل إذا أحوجه الدليل وأعوزته الحجة؛ ومن ذلك ما كان في رسالته تفضيل السودان على البيضان. . . ثم قال: ومن خصائص الجاحظ: قصر الفقرات والازدواج، وتعمد السجع دون أن يتكلفه، وكذلك الافتنان في الأسلوب، والتنقل، والاستطراد، والتقصي للمعنى حتى لا يترك فيه بقية. أما الخصائص التي يشركه فيها غيره، فالسهولة والسجع وما إلى ذلك من خصائص الكتابة الشائعة في ذلك العصر. وبعد فأسلوب الجاحظ نتاج عقله وفكره أكثر منه نتاجا لروحه وعاطفته؛ هذا في رسائله العامة، أما في كتاباته الخاصة فقد كان يقصد إلى التنميق والتنويق، ويحفل بالديباجة المشرقة، ويعتد بالشواهد والأمثال يقحمها في ثنايا كلامه
اليوم الثالث
وفي اليوم الثالث تكلم الأديبان شوقي ضيف وعبد اللطيف حمزة؛ فتكلم الأول عن الجاحظ بين النقد والبلاغة فقال: لقد كانت مكانة الجاحظ في ذلك كمكانة أرسطو في الخطابة عند اليونانيين، وكان الجاحظ لا يكتب للخاصة فكان يعرف أن كتاباته في حاجة شديدة إلى التوابل لتقريبها لأذهان الجمهور.
ثم قال: والنقد لم يبدأ كفن إلا في العصر الأموي؛ وقد كانت الشعوبية هي أول حافز على النقد لأنها كانت حركة هدامة تشك في كل شيء، وكانت تشك في بلاغة الأدب العربي،