لذلك بالنقل والعقل والفلسفة والكلام فكان المعتزلة قوة كبيرة تجاه الزنادقة والملاحدة.
وبعد أن أورد الأصول المعتبرة عند المعتزلة وشرحها وحدد العلاقة بينها وبين غيرها من الفرق قال: وكان للمعتزلة مدرستان واحدة في البصرة والأخرى بالكوفة، وقد كان من أقطاب الأولى النظام ثم تلميذه الجاحظ، وكان المعتزلة على مقتضى تعاليمهم يتوارثون حرية الفكر فهم ولا شك جماعة أحرار الفكر كما يسميهم المستشرقون. وكان يطلق على كل اتباع رجل منهم اسم هذا الرجل فيقال النظامية لاتباع النظام والجاحظية لاتباع الجاحظ، ولقد كان لهم بحكم مهمتهم في كل ناحية من نواحي الفكر، فكانت حركتهم كما يقول الأستاذ احمد أمين - إرهاصاً لحركة فلسفية منظمة تولاها الكندي والفارابي وابن سينا وأشكالهم.
ولقد أخذ الجاحظ عن المعتزلة جميع مزاياهم، وكان بوقاً عظيماً لآرائهم يذيعها في الناس ويشرحها وقد ينتقدها ثم أشار إلى آثاره في ذلك فقال: إن اكثر رسائله قد ضاعت في أجواء العصور الخالية، وقد وصلنا بعض نصوص تدلنا على أن الجاحظ كسائر المعتزلة يطعن على أهل الحديث الحشويين وله رسالة في مدح النبي ورسالة في الاحتجاج للنبوة، ورسائل أخرى في الرد على اليهود والنصارى والرافضة وقد كانوا أعدى أعداء المعتزلة ثم له رسالة في فضيلة المعتزلة رد عليها ابن الراوندي برسالة سماها فضيحة المعتزلة وهي التي عنى بدحضها ابن الخياط في الانتصار.
ولكن مهما قيل في الجاحظ المعتزلي وأخذه بحرية الرأي لابد أن يكون له نظر في حرية الإرادة وهي مسألة المسائل بين علماء الكلام ومبعث الخلاف بين الفرق المختلفة، وقد كان الجاحظ كما عرفنا معتزلياً شديد الإخلاص لفرقته واكبر الظن أن الرجل قد وجد حلا لهذه المسالة في نظريه الطبيعيات. والظاهر أن الجاحظ قد طبق هذه النظرية على العالم الأخروي، وقد حمله هذا على الكلام في مسالة المعارف أو المدركات على أن مسألة الطبيعيات لم تكن من ابتداع الجاحظ ولكنه شرحها وبسطها وطبقها، وإنما هي لأستاذه النظام؛ وقد جاءت هذه النظرية عند بعض الفرق الأخرى، حتى نظرية العوارف التي أشرنا إليها قد انتهج الجاحظ فيها نهج أرسطو فالمظاهر التي يتجلى فيها اعتزال الجاحظ تبدو في تعصبه للمعتزلة والدفاع عن آرائهم والإشادة بفضلهم، وخصوصاً بفضل أستاذه