ننتهب اللهو، ونهتاج العواطف بالطرب، فإذا ما عدمنا ذلك انصرفنا إلى غرفة نتمتع منها بالنظر إلى الناس، ولكن لا اعرف أن النبيذ خلا من أيدينا على أية حال.
فأنا لفي يوم من الأيام، صادفنا فيه افتقار القوت، وسعدنا منه بوفرة النبيذ وإذا بفتى يطرق علينا الباب طرقا، فلما صعد إلينا بعد الإذن ألفيناه حلو الوجه سري الهيئة، ينبئ رواؤه عن الخير، ويدل مظهره على النعمة، ابتدأنا بالتحية واستمر يقول: لقد سمعت بمجتمعكم، وحسن منادمتكم وصحة ألفتكم. وعلمت كأنما أدرجتم في قالب واحد، فأحببت أن أكون واحداً منكم فلا تحتشموني، وخذوني بأوضاع الاخوة لا بواجب الضيافة، فكنا في انس بلقياه، ونشوة من حديثه، ولكنا كنا أيضاً في هم وفكر من تدبير القوت له والحصول على الزاد الواجب لغذائه.
ولم يمضي كثير حتى أشار الفتى إلى غلامه فوضع بين أيدينا سلة خيزران فيها طعام المطبخ من جدي ودجاج وفراخ ورقاق وأشنان ومحلب وخلة، وأجبنا صاحبنا إلى ما طلب من حق الأخوة فلم نحتشم طعامه فحططنا فيه، ثم أفضنا في الشراب وأفضنا في الحديث، وانبسط الفتى معنا في الكلام فإذا به أحلى خلق الله إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وامسكهم عن ملامة إذا خولف. ثم أفضينا منه - على طول المقام - إلى اكرم محالفة، واجمل مساعدة، وكنا ربما امتحناه بأن ندعوه إلى الشيء يكرهه فيظهر لنا أنه لا يحب غيره. نطالع ذلك في إشراق وجهه. وانبساط أساريره، فصرنا نغنى به عن حسن الغناء، وشغلنا بأخباره وآدابه، وشغفتنا نوادره وآماليحه، ومع ذلك فما وقفنا على اسمه، ولا حققنا نسبه، وإنما عرفناه بأبي الفضل، وكنا ندعوه بذلك
وجلس في يوم يطرفنا بنوادره ويقص علينا شيئاً من تاريخه فقال: ألا أخبركم بم عرفتكم، ولماذا آثرت صحبتكم؟ قلنا: أنا لنحب ذلك ونطمع فيه، قال: لقد أحببت جارية في جواركم، فشغفت نفسي حبا، وتدله قلبي في هواها! فكنت اجلس في الطريق التمس اجتيازها فاراها! ودمت على ذلك حتى اخلقني الجلوس على الطريق، وأنكرت من نظرات السابلة، ورأيت غرفتكم هذه، ووقفت على خبركم في العيش وأخذكم بالائتلاف والمساعدة، فكان الدخول فيما أنتم فيه اسر عندي من تلك الجارية!
فقلنا: هون على نفسك يا ابن العم، وتمن في تحقيق مأربك، وسنجد في اختداع الفتاة حتى