الشرود والوهم، ثم عقد الأستاذ فصلا بين فيه أدوار النظر العلمي من جمع الحقائق بالتجربة والمشاهدة، ثم استخراج القانون، وبين طرق اكتشاف قوانين الفطرة بالاستقراء والتلمس، ثم ضرب مثلين يوضحان طريقة التلمس، وختم هذا الباب القيم بهذا الكلام البديع:(إن هذه الحقائق الطبيعية التي يكشف عنها العلم ببحوثه إن هي إلا نوع من كلام الله أو هي كلمات الله الواقعة النافذة كما أن آيات القرآن هي كلمات الله الصادقة المنزلة. وقد سمى القرآن حقائق أسرار الخلق كلمات الله في مثل قوله تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) - (لقمان)(قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)(الكهف). وكلمات الله في هاتين الآيتين الكريمتين لا يمكن أن تكون كلماته المنزلة على رسله لأن كلماته سبحانه في كتبه المنزلة محصورة محدودة في حين أن كلماته المشار إليها في هاتين الآيتين لا حصر لها ولا نهاية. فلا بد أن تكون هي كلماته النافدة في خلقه والتي يبدو أثرها متجسماً فيما نشاهد من الحوادث وفيما يكشف العلم من أسرار الكون فالإسلام متسع للعلم كله حقائقه وفروضه؛ والمجتهد مثاب أخطأ أم أصاب ما دام يريد وجه الحق، وان كان العلم لا يعرف إلى الآن إن سبيل الحق من سبيل الله)
أما بابا (المادة والطاقة) ففيهما يعرض الأستاذ المباحث الطبيعية عرض المطلع عليها في مراجع العلم القديم والحديث، وفيهما مواقف ناجحة في تطبيق بعض الآيات الكونية في القرآن على حقائق العلم مما يضيف ثروة جديدة لنواحي إعجاز القرآن تمتلئ بها عقول الدعاة والوعاظ؛ ففي مباحث الجاذبية والأثير والظواهر الجوية والتمثيل الخضري والضوء والظل والفيء حقائق أشار إليها القرآن يجدر بكل مسلم أن يعرفها ويجدر بلجنة ترجمة معاني القرآن أن تنتفع بها، فلا تقف عند ما كان يفهمه منها العرب الذين انزل عليهم كما أشارت إلى ذلك فيما وضعته من القواعد الأولية التي تسير عليها في الترجمة، فان القرآن ليس كتاب جيل واحد؛ ولنا أن نفهم منه غير ما كانوا يفهمون وبخاصة الآيات الكونية التي لم يكن علمهم ولا علم البشرية ليساعداهم على فهمها كما نفهمها نحن الآن. ولذلك كان القرآن يقول لهم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)(فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم)(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) وان