غلب عليه الخجل في غلو، والخجل - كما يقول بعض علماء النفس - سببه كثرة تفكير الإنسان في نفسه، فهو إذا مشى ظن أن الناس كلهم ينظرون إليه وينقدون مشيته؛ وإذا تكلم ظن أن الناس كلهم ينصتون إليه وينقدون كلامه؛ وإذا تحرك أو سكن أو تنفس فالناس يعدون حركاته وسكناه وأنفاسه؛ فكان هذا الخلق فيه أكثر شقائه. وبلغت به الحالة أن كان في آخر أيامه إذا جلس في مقهى اختار مكانه وراء عمود، وإذا سكن في (بنسيون) صحا قبل أن يصحو الناس وعاد بعد أن ينام الناس حتى لا يراه الناس: وإذا عزم على الرياضة فليلا حتى تستره ظلمة الليل، وإذا مشى في الشارع ليلا اختار من الشوارع أخلاها من الناس.
تملكه خلق الرحمة فظهر منه في كل شيء: رحم الناس فخرج لهم عن ماله. ورحم المرأة فأبى أن يتزوج، ورحم الحيوان فعاش نباتيا. وأخيراً رحم نفسه. وويل للإنسان إذا رحم نفسه وأشفق عليها! إنه ليعذب في ذلك عذاباً لا يعذبه أحد. نعمة كبرى أن يرحم الإنسان غيره، وشقوة كبرى أن يرحم الإنسان نفسه، فالرحمة استضعاف للمرحوم، فإذا استضعف نفسه فهناك الألم وهناك والحسرة، وهناك فقدان الثقة بالنفس، وهناك انسحاب من الجهاد في الحياة، وهل الحياة إلا جهاد؟
رحم الله (علي فوزي) فقد عاش غريبا، ومات غريبا، وأخشى أن يبعث غريبا